في الوقت الذي توقّعت فيه الأسواق خفض الفائدة بنهاية العام المقبل بعد صدور بيانات اقتصادية متباينة، تمسّك مسؤولو «الاحتياطي الفدرالي» بموقفهم، وأكدوا مواصلة رفع أسعار الفائدة، مشيرين إلى أنها ستظل مرتفعة.وكانت رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي في سان فرانسيسكو، ماري دالي، ورئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي في أتلانتا، رافائيل بوستيك، آخر من انضموا للمنادين بمواصلة تشديد السياسات النقدية للسيطرة على التضخم. وقال بوستيك إنه يفضل رفع أسعار الفائدة في حدود تتراوح بين 4 و4.5 بالمئة بنهاية هذا العام.
وحسب تقرير أسواق النقد الأسبوعي الصادر عن بنك الكويت الوطني، أدت سياسات «الاحتياطي الفدرالي» إلى تحويل الدولار إلى قوى مدمرة، فيما لا توجد دلائل على نهاية قريبة في الأفق لذلك. ومن الواضح أن السوق قد انحاز إلى صف الدولار الذي يعد من أفضل الملاذات الآمنة في ظل تزايد حالة عدم اليقين. وأسهمت الدعوات المتشددة لمسؤولي «الاحتياطي الفدرالي» في تعزيز ارتفاع عائدات سندات الخزانة الأميركية وصعود الدولار، وأنهى مؤشر الدولار تداولات الأسبوع مغلقاً عند مستوى 112.747.
الاضطرابات الاقتصادية
وتصاعدت المخاوف المتعلقة بالنمو الاقتصادي في ظل مواصلة مجلس «الاحتياطي الفدرالي» رفع سعر الفائدة لكبح التضخم. وتراجع مؤشر قطاع التصنيع بالولايات المتحدة في سبتمبر، ليصل إلى 50.9، متراجعاً بذلك عن أدنى مستوياته المسجلة على مدار العامين الماضيين، بعد أن تقلصت الطلبات للمرة الثالثة خلال 4 أشهر. وانخفض مؤشر الطلبات الجديدة إلى 47.1، والذي يعتبر أيضاً أدنى مستوياته منذ الأشهر الأولى للجائحة، في إشارة إلى تراجع الطلب.وفي الوقت ذاته، استقرت معدلات نمو مزودي الخدمات الأميركيين في سبتمبر، مما يعكس قوة النشاط التجاري وتزايد الطلبات، في حين انخفض مقياس الأسعار إلى أدنى مستوياته منذ بداية عام 2021.وتشير تلك البيانات إلى أن الطلب على الخدمات لا يزال قوياً على الرغم من تزايد معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وتنامي المخاوف المتعلقة بآفاق النمو الاقتصادي. ويعتبر تشديد أوضاع سوق العمل من أبرز العوامل الجوهرية التي تعزز ذلك الطلب، وذلك في ظل تزايد الوظائف وانخفاض معدلات البطالة إلى أدنى مستوياتها تاريخياً. إلّا أنه تجدر الإشارة إلى أن معدلات نمو الأجور، على الرغم من تباطؤ وتيرة نموها مقارنة بالتضخم، لا تزال مرتفعة للغاية.وما يزال سوق العمل يظهر مؤشرات دالة على قوته ومرونته، ربما أكثر مما يرغب «الاحتياطي الفدرالي»، وذلك على الرغم من تباطؤ وتيرة خلق فرص عمل جديدة. وكشف مؤشر الوظائف الشاغرة ومعدل دوران العمل عن انخفاض فرص العمل بنحو 10.1 ملايين وظيفة في أغسطس الماضي، فيما يعد أدنى مستوياته المسجلة منذ يونيو 2021. إلا أنه على الرغم من ذلك، لا يزال مرتفعاً للغاية.وارتفع عدد الوظائف غير الزراعية في القطاع الخاص بمقدار 208 آلاف وظيفة في سبتمبر، متخطياً التوقعات، كما يعدّ أعلى من معدلات النمو المسجلة الشهر الماضي والتي بلغت 185 ألف. وارتفع إجمالي الوظائف غير الزراعية بمقدار 263 ألف وظيفة في سبتمبر هو الآخر بوتيرة أعلى، مما كان متوقعاً في سبتمبر، بينما انخفض معدل البطالة من 3.7 إلى 3.5 بالمئة. وظل معدل نمو الأجور قوياً، إذ ارتفع بنسبة 0.3 بالمئة على أساس شهري (5 بالمئة على أساس سنوي)، مما يشير إلى قوة الطلب على العمالة في ظل ارتفاع تكاليف الاقتراض وتشديد الأوضاع المالية.أزمة مالية تحيط باقتصاد المملكة المتحدة
بعد الاضطرابات الشديدة التي شهدتها الأسواق وتصاعد حدة الانتقادات من داخل بريطانيا وأنحاء العالم كافة، تراجعت حكومة المملكة المتحدة عن خطتها لإلغاء الخفض الضريبي على الدخل الذي يزيد على 150 ألف جنيه إسترليني (166.770 دولارا) من 45 إلى 40 بالمئة. وأدت الفوضى التي أحدثتها خطة خفض الضرائب غير الممولة إلى محو المليارات من الجنيهات من الأسواق المالية البريطانية، وأجبرت بنك إنكلترا على التدخل لمنع انهيار سوق السندات، وانخفض الجنيه الإسترليني إلى مستوى قياسي لم يشهده من قبل أمام الدولار.ومن المقرر أن يعلن وزير الخزانة كواسي كوارتنج عن خطته المالية متوسطة المدى لتهدئة الأسواق المالية تجاه استراتيجيته الاقتصادية. وقال إن الإعلان «سيحدد كيف نخطط لتراجع الديون كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط».وأضافت رئيسة الوزراء ليز تراس قائلة: «تركيزنا ينصبّ الآن على بناء اقتصاد مع نمو مرتفع يمول الخدمات العامة الأساسية ويزيد الرواتب ويخلق فرصاً في أنحاء البلاد كافة».وشهد الجنيه الإسترليني موجة من التقلبات الشديدة خلال الفترة الأخيرة، وظل يتراجع على الرغم من ارتفاع عائدات السندات بشكل حاد، في إشارة تدل عادة على قلق الأسواق بشأن مصداقية السياسات. وإضافة إلى ذلك، فإن مخاطر تباطؤ وتيرة نمو هذا الاقتصاد الكبير العام المقبل في ظل وصول معدل التضخم إلى أعلى مستوياته وتسجيل أكبر عجز في الحساب الجاري، وهي العوامل التي كان لها تأثير سلبي بصفة خاصة على الجنيه الإسترليني الذي أنهى تداولات الأسبوع مغلقاً عند مستوى 1.1088.
اقتصادات أوروبا المتعثرة
تأثر النشاط الاقتصادي في أوروبا جراء الارتفاع الصاروخي لأسعار الطاقة التي تستمر في ترسيخ ارتفاع معدلات التضخم. وخلال شهر أغسطس، قفزت أسعار المنتجين في منطقة اليورو بنسبة 5 بالمئة على أساس شهري (43.3 بالمئة على أساس سنوي)، فيما يعد أكبر ارتفاع تشهده منذ مارس، بينما ارتفعت الأسعار الأساسية التي تستبعد الطاقة بنسبة 0.3 بالمئة (14.5 بالمئة على أساس سنوي).وتراجعت مبيعات التجزئة بنسبة 0.3 بالمئة على أساس شهري (2 بالمئة على أساس سنوي)، مما يشير إلى تضرر طلب المستهلكين من صدمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية - الأوكرانية وتأكيد التوقعات بركود وشيك.كما أن الآفاق الاقتصادية في المنطقة تتخذ اتجاهات أكثر قتامة، مما أدى إلى تعثّر الطلب في مواجهة ارتفاع معدلات التضخم وإثقال كاهل النشاط الاقتصادي في أكبر اقتصاد على مستوى أوروبا، حيث فقد قطاع التصنيع في ألمانيا المزيد من الزخم في أغسطس بوصول طلبيات المصانع والإنتاج الصناعي الى مستويات دون التوقعات مرة أخرى. وتراجعت طلبيات المصانع بنسبة 2.4 بالمئة على أساس شهري والإنتاج الصناعي بنسبة 0.8 بالمئة بسبب استمرار اختناقات العرض.وأدى ارتفاع تكاليف الطاقة إلى دفع أسعار الواردات للنمو بنسبة 4.3 بالمئة في أغسطس، فيما يعد أعلى المستويات المسجلة منذ عام 1974، وتراجعت مبيعات التجزئة بنسبة 1.3 بالمئة.إدارة منطقة العملة الهشة
اضطر البنك المركزي الأوروبي التعامل مع ارتفاع معدلات التضخم مع تزايد أزمة الطاقة وضعف اليورو نتيجة للتداعيات غير المباشرة للسياسات النقدية المتشددة التي تطبقها الولايات المتحدة. وكشف محضر الاجتماع الأخير للبنك المركزي الأوروبي في سبتمبر عن تفضيل بعض صانعي السياسات رفع سعر الفائدة بمعدل أقل بمقدار 50 نقطة أساس، على الرغم من الموافقة أخيراً على التحرك بمقدار 75 نقطة أساس.وأكد البيان قلق مجلس الإدارة من ترسخ معدلات التضخم عند مستويات مرتفعة بشكل استثنائي، وأن انخفاض اليورو قد يضيف إلى الضغوط التضخمية. لذلك، كانت هناك حاجة إلى تشديد السياسات النقدية بوتيرة أكثر حدة، حتى لو أدى ذلك إلى التأثير سلباً على النمو.وتضمن محضر الاجتماع أن «الضعف المتوقع في النشاط الاقتصادي لن يكون كافيا لخفض التضخم إلى حد كبير، ولن يعيد بحد ذاته التضخم المتوقع إلى المستوى المستهدف».وعلى الرغم من عدم وجود اتفاق يشير إلى ارتفاع مماثل لسعر الفائدة في الاجتماعات المستقبلية، إلا أن صانعي السياسات أعربوا بالفعل عن استعدادهم لرفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس أخرى لسعر الفائدة على الودائع، ليصل إلى 0.75 بالمئة في الاجتماع المقرر عقده في وقت لاحق من الشهر الجاري.وما يزال اليورو دون مستوى التعادل مع الدولار، حتى بعد أن أشار محضر اجتماع البنك المركزي الأوروبي الأخير إلى تطبيق المزيد من السياسات النقدية المتشددة في المستقبل. وأنهى اليورو تداولات الأسبوع مغلقاً عند مستوى 0.9745.السلع... ارتفاع يقابله تراجع
حافظت أسعار النفط على مكاسبها بعد إقرار «أوبك» وحلفائها أكبر خطة لخفض الإنتاج منذ عام 2020، وحذّرت روسيا من أن وضع سقف لأسعار النفط قد يؤدي إلى انخفاض الإنتاج المحلي. ووافق التحالف على خفض الإنتاج بمقدار مليونَي برميل يومياً في محاولة لإنعاش الأسعار المتدهورة والدفاع عن الصناعات النفطية واقتصاداتها من مخاطر التباطؤ العالمي.وتميل المخاطر على نمو الطلب على النفط إلى الجهة السلبية في ظل مواجهة الاقتصادات لسياسة نقدية أكثر تشدداً، وارتفاع معدلات التضخم، وتباطؤ وتيرة النشاط الاقتصادي. إضافة إلى التوقعات الإيجابية، أصدرت الصين حصصاً جديدة لواردات النفط الخام وصادرات الوقود لتعزيز اقتصادها. وأنهى خام غرب تكساس الوسيط تداولات الأسبوع عند مستوى 92.92 دولارا للبرميل، في حين أنهى مزيج خام برنت تداولات الأسبوع عند مستوى 103.05 دولارات للبرميل.من جهة أخرى، انخفض الذهب بعد تأثّره سلباً بتغيير وجهات النظر حول موقف الاحتياطي الفدرالي وارتفاع الدولار، إذ ارتفع بنسبة 4 بالمئة تقريباً في أول جلستين تداول من الأسبوع في ظل صدور بيانات أميركية مخيبة للآمال، لكنّه انخفض بعد أن كشفت بيانات جديدة أن الاقتصاد الأميركي ما يزال مرناً، حيث استمر بنك الاحتياطي الفدرالي في تشديد سياساته. وأنهى الذهب تداولات الأسبوع عند مستوى 1694.53 دولارا للأوقية.