الوجه المسكوت عنه الذي لم يعط حقه في شخصية الأستاذ محمد السنعوسي هو «الوجه السينمائي» ورحلته في هذا العالم، والجوانب المخفية التي لم يتم التطرق إليها بشكل كاف ومُرضٍ، والحقيقة أن الزميل أمجد زكي لم يترك لنا أي زاوية للكتابة عنه، فقد كان موفقاً في اختياره عنوان مقالته في «الأنباء» «صانع السعادة». يحضرني في هذا المقام عبارة جميلة قالها الصديق محمد الشارخ يوم تكريمه «ألم يعطنا السنعوسي فيلم الرسالة؟ أما يكفي هذا؟! ذلك الوهج الفني الذي كاد أن يدخلنا صناعة السينما العالمية».
الواقع أنه قبل فيلم «الرسالة» كان مصطفى العقاد ينتج أفلاما محدودة تحقق له مردوداً لا بأس به، لكنه لم يكن مخرجاً معروفاً ولم يصل إلى العالمية بعد، وحينما تعرف إليه السنعوسي أبدى رغبته في إنتاج فيلم وثائقي عن الإسلام، إلا أن «أبا طارق» حوّل الفكرة إلى فيلم درامي وهو ما رفضه العقاد في البداية لصعوبة التمويل، وما يجب ذكره هنا أن اختيار منى واصف وعبدالله غيث للنسخة العربية كان من السنعوسي ومعظم الفنانين ومن بينهم «هاري جريك» لكتابة السيناريو الإنكليزي والموسيقار العالمي «موريس جار» الذي قدم واحدة من أعظم الموسيقى التصويرية، وقد رافق «هاري جريك» في القاهرة حتى انتهى من كتابة السيناريو الإنكليزي. فيلم «الرسالة» تجربة سبقت وقتها عندما خرجت إلى النور عام 1976 ولولا الكويت لما كان هذا العمل السينمائي يعرض على الشاشات، فعندما تعذر التمويل حظي بدعم من الصندوق الكويتي ورئيسه العم المرحوم عبدالرحمن العتيقي ومن موقعه كوزير للمالية والنفط في حينه. ما يؤلم في الرواية أنه عند إنتاج الفيلم كان الجميع ينصرف عنه ويتبرأ منه لا سيما «الفتاوى» التي لم تعمر طويلاً بعكس الفيلم، فقد ظل «الرسالة» حياً وإن كان لم يعرض في العالم العربي إلا في الأردن و ليبيا في عهد القذافي. لا شك أن السنعوسي أحد أهم المؤسسين لتلفزيون الكويت والإعلام طوال ربع قرن، وما هو جدير بالتذكير أنه صاحب أول فيلم سينمائي روائي قصير ومدته (22) دقيقة وكان باسم «العاصفة» في عام 1965، حصل ذلك بعد تأسيس قسم السينما سنة 1963 في تلفزيون الكويت وهو البداية الحقيقية لصناعة السينما هنا. يروي السنعوسي نفسه في كتابه عن تاريخ التلفزيون، كيف كلّف عبدالأمير التركي بكتابة قصة قصيرة لنصف ساعة لإنتاج فيلم بالصوت والصورة كما تصنع الأفلام الحقيقية، وكان مهتما بتأسيس حاجة اسمها «سينما» لتحصل ولادة أول فيلم سينمائي كويتي على يديه، ومن ذكريات هذا العمل أنه أثناء قيامه بتحميض الفيلم في بيروت وجد أن صوت الأذان يفتقر إلى «النبرة الكويتية» فما كان منه إلا أن دخل الأستديو وأقام الأذان بصوته. لم يكن مشوار السينما في حياة السنعوسي متوقفاً على ذلك بل جرى تكليفه بإنتاج فيلم عن المناضل الليبي عمر المختار، بعد أن التقاه القذافي بصحبة العقاد، وبدأ والعقاد بالتحضير لإنتاج الفيلم على أن يقوم بالبطولة الممثل «أنتوني كوين» وتولى هو شخصياً إدارة الإنتاج، وكان العرض الأول عام 1980. التقط فكرة نادٍ للسينما التي طرحها صديقه نجم عبدالكريم وبادر وبالاتفاق مع مجموعة كبيرة من رجالات الفكر والأعمال إلى تأسيسه عام 1976 واختير كأول رئيس لمجلس الإدارة وليكون أحد روافد «ثقافة السينما» في الكويت وكان وراء استضافة أسابيع سينمائية عربية من أهمها أسبوع السينما الفلسطينية الذي أقيم للمرة الأولى. يبقى لهذا الرجل نكهة خاصة وعلامة مميزة في تاريخ الإعلام الكويتي لما يمتلكه من خصال وجرأة في الطرح والتعاطي مع هموم هذا القطاع، فهو من النوع الذي لا يصلح للنسخ أو التقليد، ومن أجمل الأشياء في حياة الإنسان عندما يتقدم به العمر أن يجد من يستذكر تاريخ أعماله، ويقول كلمة طيبة في حقه، منحه الله الصحة والعافية.
مقالات
السنعوسي لم يعطَ حقه
10-10-2022