رياح وأوتاد: حول رفض الأعضاء التشكيل الحكومي وتعقيب على تعقيب
مسألة اعتراض بعض النواب على بعض الأسماء ورفض توزيرهم مسألة يحكمها الدستور، فقد أسهب الدستور في تفسير المادة (57) مبيناً اختلافها عن النظام البرلماني فقال إنها «اكتفت بمجرد إعادة تشكيل الوزارة على النحو الذي يرتئيه الأمير على أن يكون هذا التعيين نهائياً وغير معلق على إصدار قرار من المجلس بالثقة بالوزارة الجديدة». إذاً فالحكومة تشكل على النحو الذي يرتئيه الأمير، والثقة تأخذها الحكومة من الأمير لا من المجلس، أي على عكس المعمول به في الأنظمة البرلمانية.وقد يحتج البعض بما ورد في المذكرة نفسها «أن الأمير يراعي الأوضاع الجديدة في المجلس النيابي وما قد يقتضيه الصالح العام من تعديل». وواضح أن هذه المراعاة المخاطب بها هو الأمير وليس الأعضاء، وقد يرى الأمير رأياً مخالفاً لما يراه الأعضاء حول أحد أو بعض الوزراء، وقد يرى أن من الضرورة أن يأتي بوزراء بناء على ما تقتضيه المصلحة العامة وإن خالفوا توجهات بعض أعضاء مجلس الأمة.
وكذلك فإن من المبادئ الدستورية المعروفة أن الوزير لا يحاسب على الأعمال السابقة قبل تشكيل الوزارة الجديدة، فلا يجوز محاسبة الوزير على قرار تأجيل الاستجوابات المزمع تقديمها مع أنه قرار خطأ، وكان ردة فعل على تقديم استجوابات أسبوعية لرئيس الحكومة، ولكن تم إلغاؤه وانقضى أثره، ومثل ذلك لا يجوز محاسبة الوزراء الجدد من النواب والوزراء الذين صوتوا سابقاً على قانون المسيء، وكذلك عدة أخطاء دستورية وقعت من بعض الأعضاء مثل تقديم استجوابات قبل وفور تشكيل الحكومة واستجوابات تنافي اختصاص المجلس والحكومة، فهل يجوز منعهم من دخول المجلس؟ بالإضافة أيضاً إلى تصويت الأعضاء على قوانين أبطلتها المحكمة الدستورية مثل قانوني البصمة الوراثية وتعارض المصالح... إذاً فالخطأ وارد من الجميع ولكن يجب اكتشافه وعدم إقراره والعودة عنه. وقد يحتج البعض بحق النواب الدستوري في الاستجواب وطرح الثقة بالوزراء وحق عدم التعاون مع الحكومة وهذه حقوق أكيدة لكنها لا تمارس حسب الدستور إلا بعد تشكيل الحكومة وبناء على أعمال ووقائع بدرت منها.إذاً فلا يملك الأعضاء حسب الدستور اشتراط موافقتهم على تشكيل الحكومة والتهديد بعدم قبولها وباستجواب رئيس الوزراء والوزراء قبل ممارسة عملهم، وإذا تم هذا الاشتراط وتمت الاستجابة له بحيث لا تتشكل الحكومة إلا إذا وافق عليها النواب فإن هذا سيكون مخالفاً للنظام الدستوري الكويتي ومشابهاً للنظام البرلماني.أما التفاهم والتشاور وإبداء الرأي للأمير أو نائبه حول التشكيل الحكومي والنصيحة بالطرق الشرعية دون إساءة أو تعسف أو تهديد بالرفض فهو من الأعمال التي تعزز روح التوافق التي بني عليها الدستور، وهي مطلوبة في كل حين والله أعلم. تعقيب على تعقيب: بصراحة استغربت كثيراً عند قراءتي تعقيباً كتبه الدكتور حامد الحمود على مقالتي الأخيرة التي كانت بعنوان «كيف نقيم المجلس القادم» حيث اعتبر مطالبتي بعرض الاقتراحات التي تقدم للأعضاء على أحكام الشريعة بقوله «كأننا نعيش في بلد غير إسلامي» رغم أنه أورد النص الدستوري الذي يحمّل مجلس الأمة أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية، فهل الدستور بهذا النص يعتبر الكويت بلداً غير إسلامي؟ أليس من البدهي أن كل دول العالم تستكمل تشريعاتها بحيث تحقق المزيد من أهدافها وتطلعاتها.كما تمنى د. الحمود مني «أن أوضح ما يصلح التشريع الكويتي ليكون إسلامياً هل هو مثلاً بقطع يد السارق وتحويل تسمية الفائدة إلى مرابحة»، وهذا أيضاً من المستغرب فكيف غاب عن مثقف وواسع الاطلاع مثله أننا قمنا بتعديل القانون المدني بأسره ليكون موافقاً للشريعة في عام 1996 أسوة بقانون الأحوال الشخصية الذي عُدل في مجلس 1981، كما قمنا بإقرار قانون الزكاة وقانون البنوك الإسلامية وقانون القصّر، وأجرينا بعض التعديلات على قوانين أخرى تتعلق بالمرأة والطفل والمخدرات والخطف والاغتصاب والإرهاب والفساد وحماية الخصوصية وكلها على ضوء أحكام الشريعة التي لم يأت الدكتور على أي منها وذكر فقط قطع يد السارق!ورغم إقراره باهتمامي بالتعليم فإنه زعم أني لم أتطرق إلى إصلاحات تشريعية للنهوض بالتعليم علماً أن مقالي الذي عقب عليه جاءت فيه فقرة عن التعليم وضرورة ربطه باحتياجات سوق العمل، وهو هدف مثل باقي الأهداف التي وردت في المقال يحتاج الى كثير من التفصيل.وعقب د. الحمود على مطالبتي بزيادة الإيرادات المالية بقوله «ماذا إن كانت التشريعات الإسلامية عائقاً على زيادة إيرادات الدولة ؟»، وهذا تساؤل غريب أيضاً وغير واقعي فمتى كانت التشريعات الإسلامية تعوق إيرادات الدولة ما لم تكن حراما؟ ولو كان الدكتور متابعاً لعملي في المجلس لتبين له أني شخصياً قد قدمت في المجالس السابقة عدة قوانين تم إقرارها وهي تورد للميزانية العامة نحو ربع مليار دينار سنوياً، وكلها لا تخالف الشريعة الاسلامية، وهناك المزيد منها إن شاء الله.