ابتزاز نووي، ضم المزيد من الأراضي الأوكرانية بطريقة غير شرعية، استدعاء مئات آلاف الرجال الروس لإرسالهم إلى خطوط المواجهة في أوكرانيا، انفجار خطوط أنابيب الغاز التي تصل إلى أوروبا بطريقة غامضة تحت البحر... بعد سلسلة لامتناهية من التوقعات، من الواضح أن بوتين يردّ بهذه الطرق الشائكة عند محاصرته.يبدو أن التفاوض في هذه المرحلة الحساسة سيكون مرادفاً للتنازل أمام همجية بوتين واستعداده للتهديد بإطلاق صراع نووي، لكن لم يكن مناصرو دونالد ترامب الفريق الوحيد الذي دعا إلى التفاوض على السلام في أسرع وقت منذ أن تعهد بوتين، في بداية سبتمبر، باستخدام جميع أنظمة التسلح المتاحة أمامه.
فقد وعد مستشار الأمن القومي في فريق بايدن، جايك سوليفان، بإطلاق رد «كارثي» إذا استخدم بوتين أي أسلحة نووية في ساحة المعركة في أوكرانيا، وطرح المسؤولون العسكريون الأميركيون خيارات جدّية كثيرة تسمح للولايات المتحدة بتقييم هذا السيناريو، بما في ذلك المشاركة في الحرب إلى جانب أوكرانيا، إنه سيناريو الحرب العالمية الثالثة الذي يحرص بايدن على تجنّبه.استفاد بوتين مجدداً من استعمال القوة العسكرية لبلوغ أهداف سياسية ما كان ليحققها بأي طريقة أخرى، فقد وصل إلى السلطة عبر تأجيج الحرب في جمهورية الشيشان الروسية الانفصالية، وأرسل القوات الروسية إلى جورجيا وروسيا، ثم أوكرانيا في 2014، وطُرِحت في كل مرة سلسلة لا متناهية من التوقعات في العواصم الغربية حول ابتكار «مَخْرَج» يُشجّع بوتين على إنهاء توغله، لكن لم يتأثر الرئيس الروسي بهذه التطورات وتابع مساره.تثبت جميع تحركات بوتين أنه ليس من النوع الذي ينسحب من القتال أو يتراجع عند الخسارة، بل إن التصعيد لعبته وهو يتقنها على أكمل وجه، فبرأي الخبيرة في الشؤون الروسية، فيونا هيل، تحمل معظم التحليلات المرتبطة باحتمال أن يتابع الغرب وواشنطن دعم أوكرانيا من دون خوض أي صراع مع بوتين شكلاً من خداع الذات، ففي النهاية، لم يطلق بوتين حربه ضد أوكرانيا في فبراير الماضي، بل منذ ثماني سنوات، حين أقدم على غزو البلد وضم شبه جزيرة القرم بطريقة غير شرعية، وتظن هيل أن الحرب العالمية الثالثة بدأت منذ وقت طويل، لكن لا يعترف الجميع بهذا الواقع.هذه الفكرة المخيفة تطرح سؤالاً محورياً حول السياسة الأميركية: إذا كان الهدف الأساسي يتعلق بتجنب صراعٍ نخوضه أصلاً، فهل من حاجة إلى إعادة النظر في طريقة تعامل الولايات المتحدة مع العدوان الروسي؟ على صعيد آخر، يبرز احتمال أن يسيء بوتين فهم الغرب، فلا تسيطر واشنطن على الفرضيات المُضللة التي تصبح عاملاً مؤثراً في الشؤون الدولية، وتتعدد العوامل التي تشير إلى دور تلك الفرضيات في اندلاع هذه الحرب، ولم يفهم بوتين أن الأوكرانيين سيواجهونه ويقفون في وجه عدوانه، ولم يتوقع أيضاً أن يحافظ الأميركيون وحلفاؤهم في الناتو على وحدتهم ويتابعوا تمويل المقاومة الأوكرانية، ويبدو أن قرار موسكو ضم المزيد من الأراضي الأوكرانية بطريقة مزيفة سيؤدي إلى تكثيف العقوبات الغربية بكل بساطة وإطالة مدة الحرب التي يتجه فيها بوتين إلى الخسارة مع مرور الوقت. قد تكون سياسة حافة الهاوية النووية بين دكتاتور روسي عاجز وحلف الناتو الذي يزداد قلقاً أسوأ سيناريو ممكن في عالمٍ لم يعد يتحمّل الأزمات، فهل ستتابع واشنطن النضال حتى النهاية؟* « سوزان غلاسر - نيو يوركر»
مقالات
هل بدأت الحرب العالمية الثالثة؟
10-10-2022