واقعية مفاجئة في سياسة شبكة حقاني الجديدة
تتعدد المظاهر الغريبة بين حركة «طالبان» والولايات المتحدة منذ أن قتلت ضربة أميركية بطائرة مسيّرة زعيم «القاعدة»، أيمن الظواهري في أواخر شهر يوليو في منزل يقع في كابول، ويقال إنه يعود إلى كبير مساعدي سراج الدين حقاني، وزير في حكومة «طالبان» وزعيم شبكة حقاني التي تُعتبر جماعة مؤثرة داخل حركة «طالبان».بدل أن يتصاعد التوتر بين الطرفين تحقّق إنجازان دبلوماسيان، اشتبكت «طالبان» مع باكستان على الحدود في حين كان حقاني يتواصل علناً مع الهند، مع أن الانتحاريين المنتمين إلى شبكته استهدفوا السفارة الأفغانية في نيودلهي مراراً في الماضي.
طوال عقد ونصف اعتُبِرت شبكة حقاني في الولايات المتحدة والهند مجرّد جماعة عنيفة وعميلة للمخابرات الباكستانية، وتقضي مهمتها الجانبية بدعم الجهاد العالمي، لكن تؤكد الأحداث الأخيرة أن هذه الشبكة انتقلت بطريقة استثنائية من الظلمة إلى الأعمال المشينة، قبل أن تعود وتحظى اليوم بالاحترام في بعض الأوساط، وتثبت هذه البيانات أن شبكة حقاني لم ترضخ لأحد يوماً، بل إنها تمسّكت باستقلاليتها الاستراتيجية عبر تطوير تحالفات مع لاعبين يتبادلون العداء في معظم الأوقات. وفي يوم مقتل الظواهري، أجرى سراج الدين حقاني مقابلة رفيعة المستوى مع القناة الإخبارية الهندية «نيوز 18»، وتعهد بضمان أمن الشركات الهندية وتعزيز العلاقات في رياضة الكريكت التي يعشقها، وفي 19 سبتمبر أطلقت شبكة حقاني سراح المهندس الأميركي مارك فريريتش بعد خطفه في يناير 2020، مقابل تحرير تاجر مخدرات أفغاني كبير ومموّل لحركة «طالبان» اسمه الحاج بشار نورزاي. كانت باكستان تضغط على شبكة حقاني من خلال منحها الدعم المادي والرعاية الصحية وملاذاً آمناً، لكن لم تكن هذه المزايا كافية لدفعها إلى التخلي عن حركة «طالبان باكستان»، لذا اضطرت باكستان للإغفال عن هذا الوضع والتركيز على الهدف المشترك المتعلق بانتصار «طالبان» الذي يُفترض أن يحمي باكستان من أي قوة عدائية تستغل قدرة كابول على تحريض الجماعات البشتونية والبلوشية ضد إسلام أباد. يثبت هذا التوجه أن شبكة حقاني لطالما اتخذت قراراتها بناءً على الحاجات الاستراتيجية التي تفرضها الظروف المتبدلة، ويبدو أن الغرب والهند هما من أساءا قراءة توجهات هذه الجماعة، فقد بلغت جهود باكستان على مر أربعة عقود ذروتها الآن وتُوّجت بانتصار مكلف، وعمدت «طالبان» وشبكة حقاني إلى التضحية بتنظيم «القاعدة» ضمناً، لكنهما جدّدتا التزامهما بدعم حركة «طالبان باكستان»، فأطلقتا سراح الآلاف بعد استلام السلطة.وتبدو أفغانستان في عهد «طالبان» مُصمّمة على استعمال جميع أوراقها لتحسين ميزان القوى في وجه باكستان، حتى أنها ذهبت في الفترة الأخيرة إلى حد التكلم عن احتمال تدريب قواتها في الهند، واليوم تعمل باكستان على تحصين حدودها وتستعد للتعامل مع العلاقة الصدامية التقليدية بين إسلام أباد وكابول، وكأن التحالف الذي امتد على جيلَين كاملَين مع شبكة حقاني وأطراف أخرى لم يحصل يوماً. لا يمكن توقّع التطورات المحتملة في المراحل المقبلة، لكن من الواضح أن الولايات المتحدة تدرك حقيقة التبدّلات الراهنة، فتعترف بأن «طالبان» وشبكة حقاني لا يمكن تحويلهما إلى دمية يسهل التحكم فيها، ويجب أن يطلق المجتمع الدولي كله النوع نفسه من المراجعات الذكية والدائمة التي تتقنها شبكة حقاني.* « ناشيونال - ناشيونال»