أكد الطبيب وباحث الدكتوراه في علوم الصحة السكانية وصحة البيئة في جامعة هارفارد، معيد البعثة في قسم الصحة البيئية والمهنية بكلية الصحة العامة بجامعة الكويت، د. براك الأحمد، أن تغيّر المناخ قضية صحية بالدرجة الأولى.وشدد الأحمد، في حواره لـ «الجريدة»، على ضرورة إدخال التغير المناخي في جميع المناهج التعليمية بجميع المراحل، كما توصي المنظمات العالمية.
وأضاف أن تغيّر المناخ قضية ذات آثار مباشرة من البيئة على الوفيات، لافتا إلى إجراء مجموعة من البحوث بالتعاون مع باحثين في كليات الصحة العامة في جامعتَي هارفارد وجونز هوبكنز، أشارت إلى ارتفاع ملحوظ في الوفيات، وتحديداً أمراض القلب وقت الأيام الحارة جداً في الكويت، كما تمت ملاحظة أن العمال المهاجرين في الكويت معرّضون لخطر الوفاة بمعدلات أعلى عند ارتفاع درجات الحرارة.وذكر الأحمد أن ارتفاع درجات الحرارة مستقبلاً مرتبط ارتباطا وثيقا بزيادة عدد الوفيات وأخطار مضاعفة الأمراض المزمنة... وفيما يلي تفاصيل الحوار:• بداية، هل أعطيتنا فكرة عن بحثكم مع جامعة هارفارد الأميركية عن تغيّر المناخ والصحة في الكويت؟- تغيّر المناخ قضية صحية بالدرجة الأولى، أنا هنا أتحدث عن آثار مباشرة من البيئة على الوفيات،وبالتعاون مع باحثين في كليات الصحة العامة في جامعتَي هارفارد وجونز هوبكنز قمنا بمجموعة بحوث لمعرفة مدى تأثير درجات الحرارة القصوى على خطر الوفاة في الكويت. وفي هذه الدراسات وجدنا ارتفاعا ملحوظا في الوفيات، وتحديداً أمراض القلب، عند الأيام الحارة جداً في الكويت، كما لاحظنا أن فئة العمال المهاجرين في الكويت معرّضون لخطر الوفاة بمعدلات أعلى عند ارتفاع درجات الحرارة.• ما تقييمكم لتفاعل وزارة الصحة مع قضية تغيّر المناخ؟- أرى أن وزارة الصحة بحاجة إلى مزيد من التفاعل مع هذه القضية، فالوزارة يجب أن تكون الرائدة في وضع قضية تغيّر المناخ في إطار صحي واضح المعالم. وزارة الصحة ملقاة على عاتقها مهمة إبراز الآثار الصحية المترتبة على ارتفاع درجات الحرارة وتلوث الهواء وغيره.
مؤشرات صحية
• هل توجد مؤشرات صحية لمتابعة تغير المناخ على الصحة، وما موقعها ضمن مؤشرات المركز الوطني للمعلومات الصحية؟- شخصياً تعاونت مع المركز الوطني للمعلومات الصحية في كثير من الدراسات التي قمنا بنشرها. المركز متعاون مع الباحثين في شؤون البيئة والمناخ في توفير البيانات الصحية التاريخية، وأبرز هذه المؤشرات المهمة التي نتابعها عن كثب هي الوفيات وإحصاءات دخول المستشفى حسب الأسباب المتنوعة.• هل يستحق تغيّر المناخ أن يُدرج ضمن برامج البورد الكويتي وبرامج التدريب لمعهد الكويت للاختصاصات الطبية وبرامج البعثات؟- بكل تأكيد. من المحزن أننا لا نرى تفاعل العاملين بالقطاع الصحي مع قضية تغيّر المناخ في الكويت. ولكن أتفهّم هذا الغياب عن الساحة، لأنني كطبيب لم أتعلّم عن مخاطر التغير المناخي أثناء دراستي في كلية الطب ولا أثناء تدريبي، يجب أن يتغير هذا الشيء. جميع المناهج التعليمية للكليات الصحية، مثل الطب والأسنان والصيدلة والتمريض وغيره يجب أن تتضمن محتوى تعليميا عن آثار التغير المناخي على الصحة، بل يجب أن نتقدم خطوة إلى الأمام باتجاه برامج البورد والزمالة الخاصة بمعهد الكويت للاختصاصات الطبية. ليس من الضرورة أن يكون برنامجا خاصا، ولكن يجب تضمين التغير المناخي في بقية التخصصات، مثل الباطنية وطب العائلة والطوارئ على وجه الخصوص.تعاون دولي
• ما مدى التعاون مع المنظمات الدولية والاتحاد الأوروبي والمراكز العلمية المتخصصة في قضية تغير المناخ؟- منظمة الصحة العالمية تحاول جاهدة أن تجعل تغيّر المناخ قضية صحية، لكنني أرى أن مزيدا من العمل يتعيّن على جميع الدول العمل به، من خلال الحديث عن الصحة العامة.• هل تتوقعون تغيّرات في أسباب الوفيات أو في معدلات بعض الأمراض في المستقبل بالكويت بسبب ظاهره تغيّر المناخ؟- ارتفاع درجات الحرارة مستقبلاً مرتبط ارتباطا وثيقا بارتفاع الوفيات وأخطار مضاعفة الأمراض المزمنة، ونتعاون حالياً مع جامعتَي بيرن في سويسرا وهارفارد في أميركا لتصميم نموذج رياضي لتقييم أعداد الوفيات المضاعفة في الكويت بحلول عام 2060 بسبب التغير المناخي، وهذا البحث ممول جزئياً من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.مناهج دراسية
• ما تقييمكم لمستوى التعاون والتنسيق بين وزارتي الصحة والتربية لإدخال تغيّر المناخ وتأثيراته على الصحة ضمن المناهج التعليمية، خصوصا بعد تقرير «اليونيسكو»، الذي ألقى الضوء على أهمية دور قطاع التعليم في التوعية بقضية تغيّر المناخ؟- هذه نقطة في غاية الأهمية. من باب المسؤولية الأخلاقية تجاه الأجيال القادمة، يجب أن نكون في منتهى الوضوح والشفافية معهم حول مستقبل البيئة التي تحتضنهم، فهُم المعنيون بالدرجة الأولى. وزارة التربية والمدارس الخاصة يعتنون بأجيال قادمة في الكويت، مستقبلهم قد يكون مجهولا في ظل درجات حرارة قصوى تهدد المعيشة، وأخلاقياً، يجب إدخال التغير المناخي في جميع المناهج التعليمية بجميع المراحل، كما توصي المنظمات العالمية.أولوية وطنية
• كيف تقيّمون مدى اهتمام الجهات الداعمة للبحوث بهذه القضية كأولوية وطنية في البحوث ذات العلاقة بالصحة؟- القضايا البيئية دائماً ما تحظى باهتمام من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ولكن المبالغ المعطاة لا تتجاوز عشرات الآلاف من الدنانير، لإجراء بحوث عالمية على مستوى الدولة، خصوصاً في موضوع تغيّر المناخ سيحتاج الأمر إلى بناء بنية تحتية بحثية بدعم مادي أكبر بكثير من ذلك. وتحاول الهيئة العامة للبيئة وإدارة جودة الهواء، مشكورة، بمثل هذا الدور حالياً لخلق بنية تحتية رصينة لمتابعة تلوث الهواء بالتعاون مع جامعة هارفارد.• مع وجود مكتب دائم لمنظمة الصحة العالمية ومكتب دائم للأمم المتحدة في الكويت؛ ما أهم خططكم للتعاون الدولي مع تلك المنظمات في قضية تغيّر المناخ وضمن خطط التعاون الثنائي مع دولة الكويت؟- أرى أن المكتب الدائم لمنظمة الصحة العالمية في الكويت فرصة رائعة لوضع خطة متكاملة لدراسة آثار تغيّر المناخ على الصحة العامة في الكويت، ولا أعلم مدى التعاون الثنائي مع وزارة الصحة، لكنني أتطلع إلى المزيد بكل تأكيد.التوعية الإعلامية
• ما دور الإعلام في التوعية بموضوع تغيّر المناخ وتأثيراته على الصحة، وكيف تقيّمون ما يقوم به الإعلام حاليا في هذا الصدد؟- الإعلام الكويتي كان ولا يزال متواضعا جداً في تغطية آثار المناخ على الصحة. لا يوجد ضغط إعلامي أو شعبي باتجاه تقليل الانبعاثات في الكويت أو طرق التكيف للمناخ القاسي مستقبلاً.تحديات
• ما أهم التحديات العاجلة من وجهة نظركم، ومن خلال الأبحاث التي قمتم بها مع جامعة هارفارد والتي يجب التفاعل معها بالسرعة الممكنة احتراما للالتزامات الدولية أمام المجتمع الدولي في هذا الموضوع؟- يجب أن نبدأ أولاً بالمسؤولية الدولية بتقليل الانبعاثات والملوثات، حيث إن خطة الكويت التي تم تقديمها في مؤتمر جلاسكو للمناخ العام الماضي لم تكن طموحة أبداً. في الوقت الذي نشاهد أن العديد من الاقتصادات العالمية وعدت بالتحول إلى التعادل الكربوني في الانبعاثات، الكويت وعدت بتقليل 7 بالمئة فقط من انبعاثاتها بحلول عام 2035، وأرى أن هذا رقم متواضع ويفتقد الطموح والعزيمة.الكويت بحاجة لمؤسسات بحثية لدراسة آثار المناخ والبيئة على الصحة والاقتصاد
أكد د. الأحمد أنه من الصعب في الوقت الحالي أن تصبح الكويت مركزا إقليميا لرصد تأثيرات تغيّر المناخ على الصحة والتنمية.وقال لـ «الجريدة» إنه لكي تصبح الكويت مركزا إقليميا لرصد تأثيرات تغير المناخ على الصحة والتنمية، فهي بحاجة إلى المزيد من المؤسسات البحثية التي تقوم بدراسة آثار المناخ والبيئة على الصحة والاقتصاد.وأضاف: أنه لكي تصبح الكويت مركزاً إقليمياً لرصد التغير المناخي، يجب أولا أن نقود المنطقة بوضع خطط طموحة باتجاه تقليل الانبعاثات الكربونية، وحالياً نحن لسنا قريبين من ذلك.