قم للمعلم
![د. محمد أمين الميداني](https://www.aljarida.com/uploads/authors/368_1682431813.jpg)
وكم هم قلة أولئك الذين اتبعوا نهج أساتذتهم في البحث والتأليف والنشر، بل تفوق من هذه القلة بعض الطلبة الذين فاقوا أساتذتهم وسبقوهم وكانوا فخراً لأساتذتهم وللجامعات التي تخرجوا فيها، ناهيك عن أولئك الذين أخلصوا لأساتذتهم فكتبوا عنهم وألفوا عن سيرتهم، ولعل القارئ اطلع على كتاب محمد سعيد عريان وكتابه (حياة الرافعي)، ويقصد به مصطفى صادق الرافعي، ونجيب محفوظ وكتابه (أساتذتي). وآخر ما قرأته هو مقالان عن كتاب حرره (تيمثي برنن) أحد طلاب البروفيسور والمفكر الفلسطيني الراحل (إدوارد سعيد)، ونُشر عام 2021، وصدرت ترجمة عربية لهذا الكتاب بعنوان: إدوار سعيد- أماكن الفكر، مارس 2022، ترجمة محمد عصفور، ضمن سلسلة (عالم المعرفة) العريقة والمتميزة التي تصدر في الكويت، وتحدث التلميذ عن أستاذه، بكل انضباط وحياد، وكما جاء في إحدى المقالتين، بل كتب التلميذ عن السيرة الفكرية لسعيد، على حد قول كاتب إحدى المقالتين، أكثر من كتابة سيرة حياة هذا المفكر الفلسطيني والتي سبق أن تناولها هو في كتابه (خارج المكان). ثم يأتي أخيرا العرفان والتقدير للأستاذ وقد وصل إلى مرحلة التقاعد، وغادر جامعته، ونجد هنا تقليدا رائعا في بعض الجامعات العربية والعديد من الجامعات الأوروبية، وبخاصة الفرنسية حيث يقوم زملاء الأستاذ الذي يتقاعد وطلابه بتحضير مؤلف جماعي على شرفه، يضم دراسات عديدة ومتنوعة يربط بينها الموضوع أو المواضيع التي تخصص فيها هذا الأستاذ طوال عقود للتدريس والبحث والتأليف والنشر، وكان لي شرف الكتابة في بعض هذه المؤلفات الجامعية لتكريم أساتذة زملاء من تونس، وإيطاليا، وفرنسا، وتبقى عموما عامرة المكتبات الجامعية الفرنسية بهذا النوع من المؤلفات التي يتم فيها تكريم الأستاذ المتقاعد بشكل أو بآخر، بل إن هذا التقليد الجميل خص أيضا بعض المتقاعدين من قضاة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ بفرنسا، حيث يتعاون بعض القضاة وبعض الأساتذة لإخراج كتاب جماعي يذكّر بنشاطات هذا القاضي، وبما شارك وأثرى به من اجتهادات وآراء تتعلق بالقضايا التي عرضت على هذه المحكمة الأوروبية، وكم يفرح الطلبة بمثل هذه الكتب الجماعية التي تساعدهم في بحوثهم ودراساتهم وتوسع آفاق معارفهم إضافة للمقررات المطلوبة منهم. أردنا أن نتحدث عن الأستاذ والمعلم بمناسبة الاحتفال في الخامس من شهر أكتوبر من كل عام باليوم العالمي للمعلم، وقد صادف الأسبوع الفائت، تقديرا للدور المهم والحساس الذي يضطلع به المعلم على كل المستويات والمراحل التعليمية. ولا أجمل من أن نختم هذه المقالة بمطلع قصيدة من ديوان أمير الشعراء أحمد شوقي والتي يقول فيها:قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.