منذ «الثورة الخضراء» عام 2009 عبّر سكان إيران المنتمون إلى فئة الشباب والطبقة الوسطى عن اشمئزازهم من رجال الدين المسنين الذين يحكمون حياتهم في مناسبات متكررة، فهم يسيرون في الشوارع ويجازفون بكل ما لديهم لمهاجمة النظام الدكتاتوري الوحشي والمتحجر كونه يستغل القوة الثورية التي حصل عليها من الشعب عام 1979.في كل مرة، يتساءل المراقبون داخل إيران وخارجها عن اندلاع ثورة جديدة حين يتوسع نطاق المظاهرات وتصبح الشعارات لاذعة، لكن في جميع الحالات حتى اليوم، تثبت هراوات قوات الأمن أنها أقوى من حماسة المتظاهرين، فخلال أعمال الشغب الأخيرة التي اندلعت احتجاجاً على الحجاب الإلزامي، من المتوقع أن يتفوق هذا الاستعمال المفرط للقوة المنظّمة على المتظاهرين الذين يفتقرون إلى التنظيم رغم شجاعتهم.
لكن نظراً إلى المعارضة الواضحة التي تبديها شريحة كبيرة ومتوسّعة من الشعب الإيراني ضد الدولة الثيوقراطية القائمة، من المنطقي أن نتساءل عن الظروف التي تسمح بتحويل هذا الاستياء المتصاعد إلى تغيير سياسي حقيقي.لتقييم ظروف هذه النتيجة غير المؤكدة، يجب أن نراجع آخر تجربة حققت فيها هذه الحركة النجاح في إيران، لاسيما الثورة الإيرانية عام 1979، فقد حملت ثورة الخميني ميزتَين أساسيتَين: أولاً، كانت تلك الحركة صادقة وأطلقها رجال دين إيرانيون يحملون أفكاراً سياسية معينة.ثانياً، استفادت تلك الحركة من تنظيم بنيوي امتد على عقد من الزمن واستعمل المسجد كمعقل لا مركزي للاجتماعات، والتخطيط، وجمع التبرعات، وحشد الناس.كان حس القيادة عاملاً أساسياً طبعاً، لا سيما في المراحل الأخيرة من الثورة، لكن كانت تلك القيادة ستمنح الشاه هدفاً لا يُقاوَم بكل بساطة لو أنها افتقرت إلى الأسس البنيوية الكامنة.ماذا يحصل إذاً عند تطبيق هذين المعيارَين على الظروف الراهنة؟ باختصار، أصبح الوضع أكثر صعوبة بكثير على أي ثوار محتملين اليوم، فاليوم، يُخصّص الثوريون المسنّون في محيط خامنئي وقتاً طويلاً وجهوداً مكثفة لمراقبة أي مؤشرات على نشوء معارضة سياسية، فيتدخلون مسبقاً للقضاء عليها منذ البداية، فهم يعتقلون كل من يتمتع بصفات قيادية، ويستجوبونهم، ويحتجزونهم لفترة طويلة، ثم يطلقون سراحهم بعد التأكد من أنهم لن يعبّروا عن آرائهم السياسية خوفاً من دفع ثمن باهظ بسبب مواقفهم، ويوضع أكثر الأشخاص خطورة تحت إقامة جبرية دائمة، ويعطي هذا التدبير الأثر المنشود دوماً.ولا تعني هذه المعطيات بالضرورة أن الثورة أصبحت مستحيلة، لقد تغيّر الزمن وتبدّلت الظروف، لكن حين يدرك الناس أنهم يحاربون في سبيل حريتهم الشخصية والوطنية، فلا مفر من ظهور جماعات شجاعة وجريئة بما يكفي لإطلاق مسار مختلف.من المنطقي أن تُعقَد اجتماعات سرية اليوم، على هامش المظاهرات أو أمام أنظار الحرس الثوري، لا يمكن التأكد من حصول ذلك، لكن إذا أعطت هذه الجهود الخفية التي تهدف إلى بناء حركة فاعلة ضد النظام ثمارها في نهاية المطاف، فسيكون الغرب وجميع الأطراف المعنية آخر من يعلم.في مطلق الأحوال، يبقى احتمال حصول إخفاق استخباري آخر، كما في عام 1979، وارداً جداً، وسيكون هذا التطور إيجابياً لأن واشنطن وأطرافا معنية أخرى قد لا تقاوم رغبتها في التدخل و«توجيه» المعارضة على الأرجح، لكن قد تصبح حركات المعارضة محكومة بالفشل إذا ظهرت فيها أي بصمة غربية.لتحسين الوضع، كل ما يستطيع الأميركيون وآخرون فعله هو تقديم معقل افتراضي للثوار مستقبلاً، فقد سبق أن اتخذ المعنيون بعض الخطوات للسماح ببيع المعدات التكنولوجية الغربية بعيداً عن رقابة قوات الأمن الإيرانية، لكن يمكن توسيع هذا النوع من العمليات قدر الإمكان، وعند توفير أدوات الثورة بطريقة غير مباشرة، سيتعلم المعارضون الإيرانيون كيفية استعمالها، مثلما أتقن أسلافهم طريقة استخدام شريط الكاسيت البسيط لإرسال توجيهات سياسية وكلمات تشجيعية إلى جمهور واسع داخل إيران، وفي غضون ذلك، يجب أن تخضع سياسة العقوبات الأميركية للتعديلات اللازمة لتجنب أي نتائج غير مرغوب فيها.أخيراً، يجب ألا يرفع أحد سقف توقعاته، فقد بدأت المراحل الأولى من الثورة الإيرانية على الأرجح عام 1963، أي قبل 15 سنة من اندلاع الثورة الحقيقية، حين كان الخميني منفياً في العراق، وهذه التجربة تدعو الجميع إلى التحلي بأعلى درجات الصبر، ففي الحد الأدنى يجب أن نحرص على جعل سياساتنا تجاه إيران متنفساً للحركة التي يُفترض أن يؤسسها الإيرانيون بأنفسهم في أصعب الظروف على الإطلاق.* «غاري سيك - ريسبونسبل ستيتكرافت»
مقالات
ثورة في إيران
12-10-2022