الكويت... اعتبار... وبهجة
منذ سنوات طويلة والناس تشعر بأن حال الكويت لا يسر صديقاً ولا عدواً، ويتساءلون إن كانت المرحلة القادمة ستقشع عنهم السحابة المظلمة، فقد عاشوا أربعة عقود يعانون سوء أوضاع البلاد والتردي الذي شهدته في كل القطاعات بدءاً من الجانب السياسي وأداء الحكومات وضعفها وعدم قدرتها على تنمية البلاد ولا إدارتها مروراً بهزالة تكوين مجالس الأمة وانشغالها بقضايا هامشية وغيابها عن دورها الحقيقي بدلاً من كونها سلطة لبناء البلاد ووضع بنية تشريعية تواكب الأحداث والتطورات وتوجه القرار وترشده وتحسن أداء كل السلطات، تشريعية وتنفيذية وقضائية.وكلما فات الوقت تردى أداء السلطتين وزادت التجاوزات وأصبحتا ملاذاً ومقراً للفساد وتراكماته، بل ويكاد القضاء لا يسلم من هذه الأمور أيضاً، الأمر الذي أوجد حالة من اليأس وعدم التفاؤل في الحياة العامة بالكويت، وكلما تجددت الانتخابات تساءل الكويتيون لماذا نذهب ونشارك فمن سيأتي سيكون أسوأ ممن قبله، وما سيؤديه هو البحث عن مصالحه الخاصة واقتناص الفرص بثراء أو بتربح أو بتنفيع لأهل أو أقرباء أو أصدقاء، دون أن يكون همه الكويت وتطويرها وتحسين قدراتها وخدمات مواطنيها.وهكذا استمرت العجلة على هذا المنوال، وتوالت حالة التردي في الجانب الاقتصادي والتعليمي والصحي والجمالي والرياضي والثقافي والبنية التحية، بل من وصلوا لسدة المواقع السياسية الهامة في مجلس الوزراء أو مجلس الأمة كانوا هم أدوات وجزءاً مما أدى إلى فساد البلاد وترديها، فكل منهم يبحث عن مصالحه وينشغل بثروته حتى طفحت الفضائح والأحداث التي كشفت ضخامة الفساد وتورط كبار الوزراء وأعضاء مجلس الأمة، ولا يرى الكويتيون بظلمته بصيص أمل للخروج، وكلما جاءت الانتخابات حاول الكويتيون أن يجددوا الأمل، كما تم بانتخابات 2020، لكن سرعان ما عادت الأمور لسابق عهدها، وهيمن المتنفذون والفاسدون على مقاليد البلاد، حتى وصلنا إلى انتخابات 2022، فابتهج الكويتيون بجملة من الإصلاحات الاستباقية التي جاءت بمبادرة حملها الخطاب الذي ألقاه سمو ولي العهد في 22 يونيو 2022، ثم ما تلته من خطوات جادة لنزاهة الانتخابات وتعقب ظواهر الفساد السياسي والإداري والمالي بإجراءات حازمة، وبعد أن ظهرت نتيجة الانتخابات ساد التفاؤل ولا يزال، فالكويت الدولة والمؤسسات قد عاد اعتبارها.
وهو ما ستثبته الأيام القادمة وستنبئنا الأحداث بمدى إمكانية الأغلبية البرلمانية للقيام بواجبها في عدم إحداث حالة يأس مرة أخرى بين الكويتيين، ونقل البلد لمرحلة البهجة بما لها من مقدمات وأسباب، فنرى تحولا جديدا في إدارة البلاد، لمعالجة ظواهر فشل الحكومات السابقة، والتي شخصها الخطاب الأميري واختيار من هم نظيفو اليد وبتاريخ سياسي وإداري خال من الشوائب، وهذا ما لمسه الناس بتعيين رئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف، وما قام به من خطوات إصلاحية محددة في فترة لم تتجاوز الثلاثة أشهر، وهذه البهجة ربما تستمر طويلاً وربما تأفل سريعاً، وهو أمر يتوقف على سحب مرسوم تأجيل جلسة المجلس، وحسن اختيار الحكومة القادمة، والتي ستعلن خلال يوم أو يومين، ثم انعقاد مجلس الأمة وإدارته ونجاح المخضرم أحمد السعدون بخبرته، فالناس تتوقع منه نهجاً جديداً بعيداً عن المجاملات بين الأعضاء وغض الطرف عن أخطائهم وممارساتهم المخالفة للدستور أو التي تنفع أقاربهم أو أهلهم، وتعارض المصالح، وتقليص سكرتارية الأعضاء وحظر الواسطة التي أساءت للكويت وأوجدت ترهلاً مخيفاً داخل مجلس الأمة.وهناك استحقاق أمامهم لإصلاح السلطات الثلاث، دون تردد أو تهاون وبسرعة غير طبيعية، والبداية من بيت الأمة تكويناً وانتخاباً ونظاماً وإنجازاً يشعر الناس أن خنق سبل حياتهم قد ولى بلا رجعة، وثانياً للسلطة التنفيذية، وثالثاً السلطة القضائية، فهل سيتحقق هذا الاعتبار وتسود البهجة بنتائج وآثار ملموسة في المئة يوم الأولى من عمر مجلس الأمة، الكويتييون يتطلعون إلى انقشاع الغيوم السوداء.