الأزمات جزء من نظامنا السياسي، لا يبدو أن منها فكاكاً. قلنا إن خطاب 22 يونيو نقلنا، من دون مقدمات، من حالة الانسداد السياسي، التي سيطرت على المشهد لأكثر من 50 عاماً، إلى حالة الارتباك السياسي، على أمل أن تُخرجنا إلى حالة الانفراج السياسي.فما حدث في الانتخابات، وقبلها وبعدها، مؤشر واضح على حالة الارتباك، حتى صار عنوان المرحلة، عساها أن تكون قصيرة، ولقاءات سمو رئيس الوزراء مع النواب، تأتي في السياق الساعي إلى الانفراج.
كنت قد بحثت منذ زمن «أزمة 1964 »، وقابلت الكثير ممن شاركوا فيها، وكانت خطورتها أنها في بدايات العمل بالدستور، وربما قد تقضي على الحياة الدستورية برمّتها. ولو كان الأمير حينها مندفعاً، لتفلّش الدستور بعد ولادته بسنتين، ولعلم الأمير بأن الأزمة مفتعلة، فقد قرر الاستمرار بدعم الدستور، حتى لو بدا أنه قدّم تنازلات.بدأت الأزمة عند استقالة وزراء منهم شيوخ احتجاجاً، مما استدعى تعيين وزراء جدد، إلّا أن اللافت أنه تم تكليف الشيخ جابر الأحمد باختيارهم، مع أنه كان وزيراً للمالية، وسمّيت «حكومة جابر الأحمد»، أو «حكومة الشهر»، بالتشاور مع رئيس مجلس الأمة عبدالعزيز الصقر. فاعترض بعض الشيوخ وبعضهم وزراء، لإحراج من قام بتشكيل الحكومة، كما اعترض بعض النواب لأسباب مختلفة، منها استبعادهم من مناصب وزارية، وتحركوا لمقاطعة جلسة اليمين الدستورية للوزراء الجدد، فتمكّنوا من عدم اكتمال النصاب، وكان السبب المعلن هو مخالفة المادة 131 من الدستور، التي تمنع الجمع بين الوزارة والتجارة، وهي مادة جدلية، كما أنها لم تكن سبباً، بل مبرراً.وقد رفع رئيس الوزراء الشيخ صباح السالم، خطاباً للأمير، الذي كان حينها خارج البلاد، يطالبه بحلّ المجلس، واضطر الأمير إلى العودة، إلا أنه رفض حل المجلس، وطلب إعادة تشكيل الحكومة. فهل كان موقف عبدالله السالم حينها ضعفاً أم حكمة، مع أنه كان يملك الصلاحية للحل؟ الأرجح أنها الحكمة، ويبدو أنها دروس مستفاد منها الآن.وقد تقدّم الوزراء، وهم عبدالعزيز حسين، وعبداللطيف ثنيان (رئيس المجلس التأسيسي) وخليفة الغنيم، وحمود النصف (نائب)، ومحمد أحمد الغانم، وعبدالعزيز الشايع، باستقالة مسببة، تشرح الجزء الغائب من الأزمة، وسننشرها لاحقاً. وتم تعيين وزراء غيرهم، وهم خالد العيسى الصالح، وعبدالعزيز الفليج، وعبدالله السميط، وصالح عبدالملك، وعبدالعزيز الصرعاوي، كما استقال لاحقاً رئيس المجلس عبدالعزيز الصقر، مع استمراره في العضوية. لا يزال هناك الكثير من التفاصيل المهمة التي سنذكرها في دراسة خاصة عن تلك الأزمة، حيث إن خلطاً قد حدث بين الأزمة الحالية وأزمة 1964 ، التي لم يكن لها مثيل، من حيث التفاصيل، إلّا أن روحها المتنمرة لا تزال حاضرة، ودون خروج تلك «الروح» المهيمنة، فإن سياسة الأزمات ستطل برأسها، وكلّنا أمل بأن ما يجري الآن هو محاولات جادة لإخراج الأرواح المعوقة من قمقمها.
أخر كلام
أزمة 1964 ... هل كان ما فعله عبدالله السالم ضعفاً أم حكمة؟
12-10-2022