اتسمت الليالي الماضية بهدوء نسبي مقارنة بتلك الملتهبة و(المشعللة) سياسيا في أجواء الانتخابات البرلمانية الماضية، ولكن هذه الليالي التي نعيش حملت معها الشيء الكثير من الترنح والتخبط في بعض الأمور، فمن الصعب جداً أن يعلق المرء على الأحداث السياسية المتسارعة في الأيام القليلة الماضية رغم جمال الطقس ليلا وحرارة نقاش الدواوين، خصوصا في ما حملته تلك النقاشات من أمور يفند فيها أصحاب الرأي كل مادة دستورية بكل ما تحمله من معان، إلا أنه وجب القول إننا في تلك الفترة نفسها كمراقبين سياسيين من الشعب، وجدنا بوادر إصلاحية لا تسعفنا الذاكرة أن نسترجع شبيهاتها من الماضي.بغضّ النظر عن الشوائب الدستورية التي شابت مسألة تأجيل جلسة الافتتاح ولنضع هذا الموضوع جانبا لوهلة والذي أشدد بأنني شخصيا لا أرى في التأجيل إلا خرقا للمادة الدستورية 106 في وجود نص المادة 87، إلا أنه وجب ملاحظة تغيير النهج الآن و(التكتيك) السياسي من سمو رئيس مجلس الوزراء، وذلك للأفضل، وأكرر مرة أخرى رأيي بأن تعطيل العمل بحرف واحد في الدستور هو تعطيل له بالكامل، لكنني أتطرق هاهنا الى موضوع مختلف بتاتا. خرجت علينا حكومة منذ قرابة 10 أيام بتشكيل مشوه مرفوض سياسيا قبل أن يكون مرفوضا شعبيا بشكل قاطع، ذلك التشكيل الذي حمل معه وزراء «المزمع» ممن تضامنوا مع الرئيس السابق في محاولة لإيقاف رقابة النواب على الحكومة، كما تضمنت وزراء تنقلوا من وزارة إلى أخرى حاملين حقيبة وزارية تلو الأخرى، جارّين معهم خيبات الأمل من المواطنين والساسة في البلاد على حد سواء، كما تضمنت تلك التشكيلة (المشبوهة) بعض الأسماء التي برزت في الصحف وفي الصفحات الأولى تفند الإنجازات (كصيانة الطرق مثلًا) فقط ليكتشف المواطن أن سويعات من الأمطار في موسمها الماضي المعتاد كسرت الطرق والحقيبة الوزارية والآمال في آن واحد، ومن هذه الأمثلة الشيء الكثير كالنفَس النيوليبرالي في بعض التوجهات أو مهاجمة الموظف الحكومي في تقاعده، وقس على ذلك، ولعل تلك الأمثلة تكون أقسى كمقياس مقارنة وأداء من التضامن مع (الفريق الحكومي) لـ «المزمع»، كون ذاك التضامن مفهوما إلى حد ما من تشكيل وزاري إلا أن الأسماء المطروحة كانت فعلا تشوبها الشوائب السياسية وأداء المهام.
عموما، لنبتسم ونفرح ونتفاءل الآن ولكن بحذر، فقد قام رئيس الوزراء بمبادرات طيبة بمشاورة النواب للتشكيل القادم، والأهم الآن أن يأتي الرئيس الجديد بوزراء أصحاب نفَس إصلاحي دون شوائب تؤزم العمل والمناخ السياسي منذ بدايته، والأهم من هذا وذاك هو الأخذ بمعيار الكفاءة دون أي شيء آخر. الدعوة لاجتماع المجلس بحد أقصى الخميس 13 أكتوبر (اليوم) وإلا انعقد بقوة الدستور يوم الأحد المقبل، وعليه يمكن للرئيس أن يتوسع بحقائب وزارية بعد أخذ الوقت الكافي لغربلة الأسماء من أصحاب الكفاءات، وأكرر بأن خطوات الرئيس الحالي مازالت إصلاحية، وعليه نشد من أزره ونتمنى له التوفيق في العمل مع المجلس القادم بنفس إصلاحي لطالما انتظرناه.على الهامش: لا يستقيم البتة أن يطالب «بعض» أعضاء مجلس الأمة والنشطاء بتطبيق القانون ليلا نهارا وفي كل فرصة، وحالما تم ذلك من بعد حكم قضائي، تتم المطالبة بالعفو وعلى أمر واضح في اختراقه للقانون والدستور. المحكومون في قضية التشاورية أو الفرعية الأخيرة هم في النهاية على دراية بما يفعلون، وقد اتخذوا موقفا واضحا ضد القانون، وعليه حين اكتملت أركان الجريمة في نظر القضاء صدر عليهم الحكم، فلا مجال للمحاباة وطلب إعفاء البعض، بحجة أن مسألتهم قضية انتقائية أو سياسية، فهي جريمة بنظر القانون لا أكثر ولا أقل، والتناقض في مطالبة البعض بالعفو عنهم يكشف زيف النوايا في الإصلاح الحقيقي.
مقالات
غفران خطيئة «المزمع» وبوادر الإصلاح مع التفاؤل بحذر!
13-10-2022