إن أصدق ما قيل في وصف جسد الإنسان أنه الأداة التي تحوي الروح، لتحقق الغاية من وجودنا في الدنيا، وبما أن الدنيا فانية فإن الجسد كذلك، خُلِق ليتناسب مع حال هذه الدنيا، وبعد ذلك تنتقل الروح إلى عالم البرزخ، وتنتظر خروجها في اليوم الموعود، ثم تزوج أرواحنا بأجسادنا الجديدة، لنعيش داخلها مجددا، في عالم أزلي لا منته، فأجسادنا «وسيلة» لاختبار الروح.

الوسيلة لغة: هي الطريقة أو السبب الذي يوصلنا للغاية، وهي الأداة المستخدمة لتحقيق هدف ما.

Ad

جاءت كلمة «الوسيلة» في الدعاء المأثور بعد الأذان بمعنى طلب المكانة العالية في الجنة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأما معناها العام في القرآن الكريم فهو كل عمل صالح يقربنا لله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ» المائدة (٣٥).

وإن أردنا أن نركز أكثر في معناها الخاص، فتعني الإحسان، ومحاولة القرب والتماس مواطن الرحمة بيننا وبين الله، وإظهار صدق النية، الذي يميزنا عن غيرنا.

ولعل أقرب مثال لتعريف «الوسيلة» هو قصة أصحاب الغار الذين انطبقت صخرة عظيمة على فم غارهم، فقالوا لبعضهم انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله بها لعله يفرج هذه الصخرة عنكم، وهنا ندرك أن كل واحد منهم تعرض لظروف خاصة به، استغلها «بإحسان» لتكون له قربه إلى الله، فمنهم من اعتمد على إيثار والديه على أبنائه وأهله، وبره وحنانه وتواضعه لهما، وآخر اعتمد على كبح شهوته الطاغية، التي كانت أحب شيء إلى قلبه، وكيف استحوذ عليها تماما، ثم تركها لوجه الله، وآخر اعتمد على إخلاصه في إنماء مال أجيره ولم يطمع به بعدما تنامى وصار ثروة مغرية!

والسؤال: لو كنت أنت أحد هؤلاء الثلاثة، فما الذي ستدعو به ربك ليزحزح عنكم هذه الصخرة؟ هل كان من أجل خير نشرته؟ أم من أجل عيب سترته؟ أم من كرم أبديته؟ أم شُحّ أخفيته؟ وهل كان من بِرٍّ أظهرته؟ أم غيظ كتمته ؟ أم هي أسرار بينك وبينه؟!

أعزائي القراء: قد تحوم حولنا ظروف صعبة، يضيق منها الصدر وتستاء منها النفوس، ولكن قد تكون هي النعمة التي بإمكاننا أن نحولها إلى «وسيلة» نحظى بها برحمات الله وبركاته، لكننا لم نحسن قراءتها بعد!

● د. محمد عبدالرحمن العقيل