بوتين يستعمل استراتيجية الترهيب للانتقام من أوكرانيا
جاءت الضربات المدمّرة التي أطلقتها روسيا الأسبوع الماضي ضد الأراضي الأوكرانية لتعيد نشر أجواء الرعب التي رافقت أول أيام الغزو في أنحاء البلد، فهل يمكن وضع تلك العمليات في خانة الضربات الاستراتيجية، أم أنها مجرّد رد على الهجوم الأوكراني ضد جسر «كيرتش» الاستراتيجي في الأرض التي تحتلها روسيا في شبه جزيرة القرم؟يحمل انفجار جسر القرم أهمية عسكرية واستراتيجية كبرى بالنسبة إلى أوكرانيا، ووفق الخبراء العسكريين، صعّبت هذه العملية تزويد القوات الروسية بالمعدات في «خيرسون» و«زابوريزهزهيا»، ففي أوكرانيا، لم يكتفِ الروس بضرب منشآت البنية التحتية، بل استهدفوا أيضاً الملاعب والمتاحف والمؤسسات التعليمية، لكن لا يمكن أن تحصد روسيا أي منافع من هذه المقاربة.يظن الخبير العسكري الأوكراني، أولكسندر كوفالينكو، أن روسيا حاولت أن تنتقم من أوكرانيا على تفجير جسر «كيرتش» يوم الاثنين الماضي: «كان ضرورياً أن تثبت روسيا أنها تستطيع الرد على هذه التهديدات التي تستهدف منشآتها الأساسية».
لكن يؤكد كوفالينكو في المقابل عدم وجود أي منطق عسكري وراء تلك الضربة: «من غير المنطقي أن تحصل هذه العملية لضمان بعض التفوق في ميزان القوى التكتيكي والاستراتيجي في منطقة الحرب، فلا وجود لأي رابط بين هذين العاملَين، ولن تكسب روسيا شيئاً من هذه العملية، لا تكتيكياً ولا استراتيجياً في منطقة الحرب».في غضون ذلك، يرتفع احتمال حصول ارتدادات عكسية هائلة على المستوى العسكري، ويوضح كوفالينكو: «من المتوقع أن يسرّع شركاء أوكرانيا الدوليون ردودهم الآن من خلال إرسال الأسلحة وفرض عقوبات إضافية على روسيا». هل كانت تلك الضربات تهدف إذاً إلى تدمير البنية التحتية الأساسية ووقف الإنتاج في أوكرانيا، أم القضاء على إمدادات الطاقة لتخويف المواطنين من الشتاء المرتقب ودفعهم إلى الاستسلام؟برأي كوفالينكو، قد تسعى روسيا إلى افتعال أزمة إنسانية في أوكرانيا: «إذا تدمرت البنية التحتية الأساسية، فستكون المنشآت المدنية (المستشفيات، مراكز الولادة...) من أبرز المواقع المستهدفة، ونتيجةً لذلك، قد تنشأ واحدة من أكبر الكوارث في تاريخ أوروبا المعاصرة. يتماشى هذا الوضع مع إطار الرعب الذي ترتكز عليه التكتيكات الروسية لتنفيذ العمليات العسكرية ضد المدنيين أيضاً».تحاول موسكو بهذه الطريقة أن تتجنب مواجهة الجيش الأوكراني مباشرةً، فهي تُركّز على إيذاء المدنيين في المقام الأول، ويستنتج كوفالينكو: «ستكون هذه المقاربة كفيلة بترسيخ مكانة روسيا كدولة إرهابية بكل بساطة، لكن يبقى هذا التكتيك غامضاً لأنه لا ينجز المهام الاستراتيجية في منطقة الحرب، بل يؤجج مشاعر السخط ويزيد رغبة القوات الأوكرانية المسلّحة في استرجاع الأراضي وإحراز التقدم».بالإضافة إلى الانتقام لعملية تفجير جسر «كيرتش»، يقول الخبير العسكري الروسي، يوري فيدوروف، إن «السلطات الروسية قد تحاول تحقيق هدفَين آخرين: تدمير البنية التحتية الأساسية لكبح الإنتاج الصناعي في أوكرانيا، لا سيما في الشركات التي تصلح المعدات العسكرية والأسلحة أو تنتج معدات جديدة، لكن الهدف الأساسي يتعلق بقمع إرادة المقاومة وسط الشعب، والمجتمع، والمواطنين الأوكرانيين، وترهيبهم جميعاً عبر التلويح باقتراب الشتاء البارد، وشحّ الطاقة لتدفئة المنازل، وغياب الكهرباء لتلبية الخدمات المنزلية اليومية والحاجات التقنية، وتتوقع موسكو ألا يتحمّل الشعب هذه الظروف ويطالب بالاستسلام».في النهاية، يظن فيدوروف أن الضربات الجديدة لن تؤثر على مسار الحرب على الأرجح: «عملياً، لم تستهدف تلك الضربات أي مواقع عسكرية، ولم يتعرض الجنود الناشطون في ساحة المعركة للاستهداف، لكن قد تؤثر هذه العمليات على مسار الحرب بطريقة غير مباشرة لأن غياب الكهرباء قد يؤخّر النقل، بما في ذلك وصول الأسلحة إلى الجبهة، لا سيما إذا نُفّذت عمليات التسليم عبر القطارات الكهربائية».* «ماغني أيستوري - وورلد كرانش»