نبدأ بـ«محبوب العبدالله» وننتهي بالعشرات من الزملاء الصحافيين الذين أفنوا حياتهم في مهنة الصحافة، منهم من عاد إلى بلده ومنهم من توفاه الله، ومنهم من بقي في الكويت، ووفاء للمعرفة والزمالة التي جمعتنا بهم نحاول استذكارهم، ونفرح برفقتهم فقد عرفتهم الصحف الكويتية واختبرتهم جيداً، وكان لهم دور لا يمكن إغفاله أو تهميشه، ونحن في هذا الممر الطويل نحتاج إلى إزالة الغشاوة عن أعين البعض.انصهر في هذا «المطبخ الصحافي» أبناء الكويت من كتّاب وفنيين ومحررين إلى جانب زملائهم العرب وفي جسم متناغم، يكمل بعضهم بعضا، نأخذ من الكبار ونتعلم منهم، وهكذا هي طبيعة المهنة، من يملك الخبرة والمعرفة يعطي من هو أقل منه.
محبوب العبدالله ما زال يعيش بيننا لكن ظروف الحياة غلبته ولم نعد نراه في المناسبات الاجتماعية، ولا نقرأ له مساهماته الكتابية، انزوى مع نفسه وروحه، كما حال زملاء آخرين لا يسع المجال لذكرهم جميعاً، ومنهم أنطوان بارا وأحمد البوز وعبداللطيف الأشمر وغسان جابر وغيرهم، ممن أسعفتني الذاكرة في حفظ أسمائهم، وهم من ما زالوا يعيشون علي هذه الأرض الطيبة.لقد نسيهم رفقاء المهنة، بعد أن كانوا من «صناع الإعلام» وهكذا هي الدنيا، من يغيب عن الكاميرا والعين يصبح في خبر كان، الأمر ليس في الكويت فقط بل ينسحب على باقي المجتمعات، فهناك أجيال صاعدة لا بد أن تملأ الفراغ وتكمل رحلة العطاء، فالدائرة تحتاج إلى من يدخلها ويضخ فيها بما يملك.تذكرت «محبوب» وهو اسم على مسمى ونحن في جلسة صباحية مع أحد المخضرمين من أبناء الكويت الذين عاصروا تاريخ الصحافة منذ الستينيات من القرن الماضي، وراح يستعرض بعض الأسماء بخلاف من رحل عن هذه الدنيا، أين هم اليوم الزملاء: نورية السداني، أحمد النفيسي، صالح الشايجي، صلاح الساير، فيصل الزامل، محمد عبدالقادر الجاسم، وغيرهم بالتأكيد الكثيرون.هي المهنة هكذا قد تلفظ أبناءها وتأتي بآخرين، ويصبح جيل المؤسسين في قاع البئر، لا يقترب منهم إلا من رغب في عدم الانقطاع وأراد التواصل بمن سبق.في هذا السياق أكبرت مبادرة الزميل ماضي الخميس منذ سنوات بتكريم من أمضى ردحاً من الزمن في العمل في الصحافة الكويتية، وهي لفتة إنسانية رائعة لقيت صدى إيجابياً وطيباً، كان حرياً بجمعية الصحافيين وهي «البيت الشرعي والجامع» للعاملين في الصحافة أن تحتضن أبناءها وتعيد لنا وجوههم التي غابت عنا، برد الاعتبار إليهم ووفاء لهم كي تبقى هذه الوقفة حاضرة في وجدانهم وهم أحياء يرزقون.جميل أن نعيد البسمة إلى وجوه المنسيين من الإعلاميين، أولئك الذين حملوا القلم واللوحة والكاميرا في خدمة المجتمع والناس ولعقود من الزمن ونسعى إلى لمّ شمل أهل البيت الواحد، ذلك البناء الذي وضعت أساساته على أياديهم وتفانيهم في سبيل ترسيخ قيم المهنة واستمرارها.دعونا نحيِ هذا التقليد كما يفعل «المحاربون القدماء» وتخصيص يوم في السنة للاحتفاء بهم وتوصيل رسالة لمن سيأتي من بعدهم، بأن الوفاء من شيمة الكبار.
مقالات
أبناء المهنة المنسيون
17-10-2022