يصادف يوم 26 أكتوبر ذكرى اغتيال الدكتاتور الكوري الجنوبي، بارك تشونغ هي، فقد تعرّض بارك لإطلاق النار في رأسه وصدره عام 1979، على يد كيم جاي غيو الذي كان رئيس الأمن في فريق بارك ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الكورية، حيث وقع هذا الحدث منذ عقود لكنه يحمل معلومات مثيرة للاهتمام قد تسمح بفهم الأسباب التي دفعت مسؤولاً من داخل النظام للتحول إلى قاتل، وتقييم احتمال أن يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه النهاية العنيفة نفسها.لا تزال دوافع كيم مثيرة للجدل حتى الآن، وترتكز معظم المعلومات عنه على أفلام وثائقية وحسابات شخصية نُشِرت بعد عام 2000، حين دخلت كوريا الجنوبية أخيراً مرحلة الديموقراطية الكاملة من تاريخها السياسي.
ترقى كيم داخل نظام بارك الدكتاتوري في البداية عبر تعيينه كقائد لسلاح المشاة، وفي عام 1964، حين اندلعت تظاهرات ضد طريقة تعامل بارك مع المعاهدة التي طبّعت العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية، كُلّف كيم بقمعها، وسرعان ما تطورت العلاقة بين كيم وبارك بفضل هذه الاستجابة السريعة وولادة الرجلَين في بلدة «غومي»، مما أدى إلى سلسلة من الترقيات لكيم خلال العقد اللاحق، وقد بلغت ذروتها عند تعيينه كمدير وكالة الاستخبارات المركزية الكورية في عام 1976.لكن بدا وكأن كيم يحمل مخاوف معينة من توسّع صلاحيات بارك الدكتاتورية، فقد عارض مثلاً تشكيل لجنة «هاناهو» غير الرسمية والمؤلفة من ضباط عسكريين لم يقسموا يمين الولاء للدستور الكوري بل لبارك مباشرةً.بدأ ولاء كيم لبارك يضعف على ما يبدو مع ظهور تشا جي تشول الذي عُيّن حارسا شخصيا لبارك في عام 1974، غداة اغتيال زوجته، يوك يونغ سو، إذ يقول عدد من شهود العيان إن تشا كان شوكة دائمة في خاصرة كيم، فراح يستخف به علناً، ويكرر التدخل في شؤون وكالة الاستخبارات المركزية الكورية، ويتطلع إلى سلب منصب كيم.احتدم الوضع في صيف عام 1979، حين دعا كيم يونغ سام، زعيم «الحزب الديموقراطي الجديد» المعارِض (ورئيس البلد لاحقاً)، الولايات المتحدة إلى سحب دعمها لنظام بارك، وردّ بارك عبر الضغط على المحاكم لطرد كيم من الجمعية الوطنية، وهذا ما دفع إدارة كارتر إلى سحب سفيرها احتجاجاً على ما حصل، وفي 16 أكتوبر، اندلعت تظاهرات داعمة للديموقراطية في «بوسان»، بلدة كيم يونغ سام، مما أدى إلى حوادث حرق متعمد في مراكز الشرطة، وسرعان ما امتدت التظاهرات إلى «ماسان» ومدن أخرى وتوسعت لدرجة أن تصبح انتفاضة شعبية.ادعى كيم جاي غيو، في شهادة أدلى بها خلال محاكمته بعد موت بارك، أن قرار القتل كان ينجم بشكلٍ أساسي عن إصرار تشا على إطلاق حملة قمع عنيفة ضد المتظاهرين، وهو اقتراح دعمه بارك رغم اعتراض كيم المتكرر، وزَعَم كيم أن السبب نفسه يبرر قتل تشا، لذا أطلق عليه النار في رأسه في ليلة قتل بارك، وأصرّ على أنه أنقذ بهذه الطريقة الديموقراطية الكورية، لكن عاد كيم والمتآمرون معه وأُعدِموا في نهاية المطاف.لا يمكن أن يعرف أحد إلى أي حد تأثّرت أفعال كيم بالقيم الديموقراطية، ومشاعر الغيرة، والخلافات السياسية، والخوف، والمصالح الشخصية، ونزعة الانتقام، لكن تؤثر هذه العوامل حتماً على عقول عدد كبير من المسؤولين الروس في أوساط بوتين المقرّبة اليوم، وعلى غرار كيم، يعتبر الكثيرون زعيمهم تهديداً وجودياً على بلدهم، ولا شك أن الكثيرين يعترضون على سياساته، وحاول البعض على الأرجح تغيير وجهته لكنه لم ينجح، كذلك، لا مفر من أن يشعر البعض بالإهانة بعد خسارة نفوذه، وسرعان ما تتصاعد مشاعر البغض في هذا المعسكر، ومع استمرار تدهور الوضع في روسيا بسبب العزلة الدبلوماسية، والحرمان الاقتصادي، والاضطرابات المحلية، يسهل أن نتوقع حصول محاولة اغتيال في المراحل المقبلة.* جاستن فيندوس
مقالات
هل يواجه بوتين مصير بارك تشونغ هي في كوريا الجنوبية؟
17-10-2022