في شهر أكتوبر تحديدا من كل عام، تنشر بعض الصحف في الخليج وبعض الدول العربية عمّا يُدعى «تصنيف ستانفورد لأول 2 بالمئة من العلماء حول العالم» للباحثين على مستوى العالم، وهو ما أثار اهتماما واسعا في جميع أنحاء العالم الثالث خصوصا، لدرجة أنه نتيجة نقص التوعية الصحيحة أصبح البعض يعتبره معيارا لمكانة المؤسسة أو الباحث العلمي في العلوم والتكنولوجيا، ومخططا يمكن الاعتماد عليه لوضع احتمالات واستشراف البحث العلمي في المستقبل من أجل التقدم العلمي.ونتيجة الخوض في هذا التصنيف، فقد طلبت منّي إدارة المعهد البحث عن ماهية هذا التصنيف، ولما رأت الإدارة المعنية نتيجة العمل، وحجم المسؤولية طلبت تعميمه حتى لا تقع المؤسسات العلمية في الكويت، فيما وقعت فيه المؤسسات العلمية على المستويين العربي والإسلامي من المبالغة حول هذا التصنيف الذي لا يؤبَه له في المؤسسات البحثية والجامعات الغربية والأميركتين الجنوبية والشمالية وأستراليا واليابان.
وبما أنه لا توجد قاعدة بيانات واسعة النطاق تصنّف بشكل منهجي ودقيق جميع العلماء الأكثر استشهادا في كل مجال بحثي وبشكل معمق وكافٍ، فقد وجد هذا التصنيف طريقه للاستخدام، وخاصة من العلماء الذين وجدوا أسماءهم ضمن هذا التصنيف، فانتشر بين الفينة والأخرى كل عام في وسائل الإعلام المحلية محليا وإقليميا المباركات لدخول نخبة من الجامعة أو المؤسسة الفلانية في هذا التقييم، رغم أنه لا يعدو عن كونه سوى بحث علمي منشور يحوي تصنيفا يعتمد على قاعدة بيانات كبيرة أنشأها باحث في جامعة ستانفورد هو الدكتور جون إيانيديس، وليس هذا التصنيف مرتبطا بجامعة ستانفورد بذاتها، بل مرتبط بذاته، وتم عبر نشر بحثي للنتائج في مجلة PloS Biology، ويتجدد سنويا عبر تلاميذه في الجامعة، التي تستند بالأساس إلى بيانات من «Scopus»، وتقوم بتصنيف المجلات وتعطي فهرسا للاقتباس، ويلاحظ أن هذا التصنيف يقلل من ثقل المعامل قياس الإنتاجية «H-Index»، الذي يبرز قيمة الاستشهاد بمجمل دراسات الباحث، وعدد الأوراق المنشورة «التي تتجاوز عدد مرات الرجوع اليها من 10 الى 100 فما فوق»، لمصلحة معاملات أخرى أقل أهمية. تنقيب البياناتما يُدعى تصنيف ستانفورد يعتمد على نمط التنقيب في البيانات الناتجة عن خلط معقد لمعايير الجودة، التي تتضمن معلومات عن عدد الاستشهادات، والمعامل قياس الإنتاجية «H-Index»، والتأليف المشترك. وحدد التصنيف نحو 160 ألف شخصا كأفضل 2 بالمئة من العلماء في العالم بـ 22 مجالا علميا رئيسيا، و176 مجالا علميا فرعيا عام 2021. ملاحظات ومآخذوعن أهم الملاحظات والمآخذ بالنظر الى هذا التقرير، أولها أن هذا التقييم قاصر على محركات بحث محدودة، ويتعامل ويساوي أهم معامل لتقييم الباحثين والدكاترة والمستشارين، وهو معامل قياس الإنتاجية «H-Index» مع معاملات أخرى عديدة، وضعها كما هو مرفق مما يضعف الاعتماد عليه ولا يعكس قوة البحث.بينما ثاني الملاحظات أن العديد من الباحثين الذين حصلوا على تقدير من هذا التصنيف، ووضعهم ضمن أول 2 بالمئة هم ليسوا من الذين حصلوا على أي نوع من الاعتراف أو الجوائز العلمية الوطنية أو العالمية. أما ثالث الملاحظات، فهي أن العديد ممن حصلوا على اعتراف وتقدير وجوائز علمية محلية أو علمية لم يتم إدراجهم في هذا التصنيف، إضافة إلى أن حقيقة أن العديد من غير الحائزين على جائزة نوبل يتفوقون على الحائزين على الجائزة بهذا التصنيف، كما يوضح الأبعاد المتعددة لمعايير الاختيار لقائمة الترتيب، فضلا عن عدم شمولية هذه الدراسة من حيث الأخذ بجميع العناصر المؤثرة في المنتج العلمي للباحثين، كالأثر الإيجابي لمجمل الأبحاث العلمية ومنفعتها، لتشمل أكبر شريحة إنسانية مما يجعلها دراسة متخصصة بأهداف معيّنة. فيما كان رابع الملاحظات، ففي عملية التنقيب عن البيانات على نطاق واسع في هذا التصنيف يكون لعامل البحث مثل الأسماء أهمية كبيرة، فمن الممكن للأشخاص الذين لديهم عوامل متشابهة، لكنهم يعملون في مجالات علمية مختلفة الحصول على رصيد نقاط بشكل خاطئ، حيث يستفيد كل منهم من الدرجة المتراكمة. وفي دراسة للدكتور إيانيديس امتلكت الطابع البحثي والتصنيفي في الولايات المتحدة الأميركية، التي أنشئت بها، لكن أحدا لم يلتفت لها عدا دول العالم الثالث، بداية من الهند وانتقلت الى مصر ومن ثم الى الدول العربية، كما أظهرتها وسائل التتبّع، حيث تم النظر اليها على أنها مصادر (صحافية) موثوقة ومرجعية معتمدة للمفاضلة بين الباحثين وترتيبهم، وهذا يخرج الدراسة عن مضمونها وأهدافها، وانخدعت بها الكثير من الجامعات، فتظهر في الصحف بين الفينة والأخرى صورة لمدير الجامعة أو المؤسسة البحثية وهو يكرّم من دخل في هذا التصنيف من منسوبي جامعته.ويجب اعتبار هذا التصنيف على أنه مجرد دراسة بحثية وتقرير سنوي لا أكثر، بل وأخذت بعين الاعتبار بعض المعايير، وفاضلت بعضها على الآخر، ولا يجب الاعتماد عليها للمفاضلة بين الباحثين. مجرد دراسةوقد تواصلنا مع مختصين في جامعة هارفارد؛ البرفيسور بيترس كوتراكس، ومن جامعة أكسفورد البرفيسور نيك ميدلتون، وأيضا بعض الطلبة الدارسين في محيط جامعة ستانفورد، وقفنا على أن هذا التقييم لا يؤخذ به، وأنه مجرد دراسة بحثية منشورة لا أكثر، وأن هذا التقييم عُرف عنه في الوسط العلمي كدراسة نمطية اهتم بها وبمبالغة دول العالم الثالث لا أكثر.ورغم ظهور اسمنا في هذا التصنيف مرات عديدة، فإن ذلك لا يمنع أن نقول كلمة الحق، فالعلماء الأفاضل من الكويت الذين وردت أسماؤهم نفتخر بهم جميعا، إلا أن قوة العلماء بعدد وجودة أبحاثهم التي تمسّ حاجة المجتمعات، وتبنّي دولة ترتكز على العلم. وإننا إذ نكنّ لكل إخوتنا الدكاترة والباحثين في العالم العربي والإسلامي الذين أدرجت أسماؤهم في هذا التصنيف كل التقدير والاحترام، وكلنا ثقة بهم، إلا أن التقدير النابع من الذات هو الأصل قبل طلبه من الآخر المجهول. لذا، حتى لا تظهر لنا كل عام في وسائل الإعلام كويتي أو عربي في جامعة/ مؤسسة بحثية كأفضل باحث في التصنيف الفلاني، وجب علينا كتابة هذا المقال حتى لا تندرج أو تنساق دولتنا الحبية الكويت في انجراف زائف يظهر كل عام عبر تقييم لا يتعدّى دراسة بحثية منشورة، ولذلك ننصح بتوعية المسؤولين «رؤساء الجامعات الحكومية والخاصة والمعاهد البحثية والعلمية»، وحتى تكون الكويت نمطا فريدا في المجتمع العلمي العربي من خلال أن تكون قاعدة، ولها السبق في القضاء على الفساد العلمي، وألا ينتشر في دولتنا خاصة وعالمنا العربي عامة، وألّا تتم المراهنة على جهل الشعوب، بل ومتّخذي القرار في جامعاتنا ومؤسساتنا البحثية مستقبلا.* باحث في معهد الكويت للأبحاث العلمية
مقالات
وقفة تقييم مع تصنيف جامعة «ستانفورد»
17-10-2022