بدا افتتاح المؤتمر الـ 20 للحزب الشيوعي الصيني الحاكم، أمس، وكأنه تجمّع حاشد للرئيس شي جينبينغ الذي يتّجه للحصول على ولاية ثالثة تجعله أقوى زعيم للصين منذ ماو تسي تونغ، وسط توتر العلاقات مع واشنطن والدول الآسيوية المجاورة بشأن الأمن والتجارة والتكنولوجيا.

ففي قصر الشعب الذي يطلّ على ساحة تيان آنمين في بكين، اجتمع نحو 2300 مندوب في مكان غطاه اللونان الأحمر والذهبي، وهما اللونان المميزان للحزب الشيوعي.

Ad

وبعدما صعد على المنصة في قاعة الشعب الكبرى، وسط تصفيق حار من الحاضرين، دعا الرئيس الصيني في افتتاح المؤتمر الذي يعقد مرة واحدة كل 5 سنوات ويستمر أسبوعا، إلى ضرورة تسريع التطور العسكري والتكنولوجي من أجل «تجديد شباب الأمة الصينية»، إلا أنه حذّر من أن بلاده لا تزال أمامها أوقات صعبة، داعيا إلى «الاستعداد لأسوأ السيناريوهات».

وأضاف الرئيس الذي باتت الصين في عهده المتواصل منذ 10 سنوات قوة دولية كبرى، أن «نفوذ الصين الدولي وجاذبيتها وقدرتها على تشكيل العالم ازدادت بشكل كبير».

كما قال إن الجناح العسكري للحزب، وهو جيش التحرير الشعبي، «بحاجة إلى حماية كرامة الصين ومصالحها الأساسية، وسنعمل بشكل أسرع لتحديث النظرية العسكرية وتطوير الأفراد والأسلحة، وسنعزز القدرات الاستراتيجية للجيش».

وأكد أن «تحقيق هدف 100 عام من النضال لبناء جيش في الموعد المحدد (2027)، وتسريع تحوله إلى قوة عسكرية رائدة على مستوى عالمي، هو مطلب استراتيجي للبناء الشامل لدولة اشتراكية حديثة».

وتمتلك الصين ثاني أكبر ميزانية دفاعية في العالم بعد الولايات المتحدة، وتحاول توسيع نفوذها من خلال تطوير الصواريخ الباليستية وحاملات الطائرات.

وأشاد شي ودافع عن مجموعة واسعة من سياساته، قائلا: «الوحدة هي القوة والنصر يتطلب الوحدة».

تطوير التكنولوجيا

وإضافة إلى ذلك، قال شي إن «الحزب سيعزز تطوير التكنولوجيا، وسينتصر في هذه المعركة، وسيضمن أمن مصادره الغذائية وسلاسل التوريد الصناعية»، مشيراً إلى أن الحزب يتطلع إلى «الاعتماد على الذات والقوة» في التكنولوجيا من خلال تحسين نظام التعليم وجذب الخبراء الأجانب. وأشار إلى ضرورة تعزيز وتطوير القطاع العام للاقتصاد، وتشجيع ودعم وتوجيه تنمية القطاع الخاص.

وتابع: «من الضروري تشكيل نظام إنتاج حديث، وتعزيز نوع جديد من التصنيع، وتسريع تحوّل الصين إلى قوة عالمية رائدة من حيث تطوير تقنيات التصنيع والفضاء والنقل والشبكات، وكذلك جودة المنتجات»، كما شدد على ضرورة «تسريع خلق صين رقمية». وفي مؤشر على أن بكين ستواصل إعطاء أولوية للنمو، رغم أن بعض المحللين يتوقعون تحولا نحو تركيز أكبر على الأمن القومي، جدّد الرئيس الصيني تأكيده أن «التنمية عالية الجودة هي الأولوية الرئيسية لبناء دولة اشتراكية عصرية في كل الجوانب، كما أن التنمية أولوية رئيسية للحزب»، مكررا الصياغة التي استخدمها كل زعيم حزبي، في خطاب مؤتمر الحزب، منذ جيانغ زيمين في 2002.

وأضاف شي أن الاقتصاد رقم 2 في العالم سيسرّع من الإبداع في مجالات رئيسية «للاعتماد على الذات في مجال التكنولوجيا»، مضيفا أن «الصين ستمضي قُدما بشكل أسرع لتدشين مشروعات وطنية رئيسية، ذات أهمية استراتيجية طويلة الأجل».

وفي تصريحات حَذِرة تأتي بعد موجة من نقص الطاقة الواضح، في السنوات الأخيرة، ومع ارتفاع تكاليف الطاقة العالمية، بعد أن أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى عرقلة التدفقات التجارية، تعهّد الرئيس الصيني بنهاية بطيئة ومطّردة لنمو انبعاثات الاحتباس الحراري في الصين، فيما أعطى أمن الطاقة أولوية رئيسية، حيث تكافح البلاد وسط اقتصاد متدهور واضطراب في أسواق الوقود العالمية. وقال «إن الحيطة ستحكم جهود الصين للوصول إلى الذروة وفي نهاية المطاف التخلص من انبعاثات الكربون».

«كورونا» والفساد

واعتبر أن الجهود المتواصلة للقضاء على «كورونا»، المتمثلة بفرض قيود مشددة على حياة السكان تعد «إنجازا مهما».

وقال إن هذا النهج وفّر «أعلى درجات الحماية لسلامة وصحة الناس». وإذ وصف الفساد بأنه «سرطان» يهدد الحزب، لفت إلى نجاح حملته لمكافحة الفساد التي سجن الآلاف على أثرها، ويرى مراقبون أنها استخدمت لسحق المعارضة، لكنّ شي شدد على أن الحملة قضت على «مخاطر جدية كامنة» ضمن الحزب الشيوعي والجيش والدولة. وقال إن «مكافحة الفساد حققت انتصارا ساحقا، وتم تعزيزها بصورة شاملة».

ومع شعور صنّاع السياسة بقلق من أن يلحق انخفاض وشيك في عدد سكان ضرراً بثاني أكبر اقتصاد في العالم، قال شي إن «الصين ستطبق سياسات لزيادة معدل المواليد وانتهاج استراتيجية وطنية استباقية لمواجهة شيخوخة السكان».

ورغم أن عدد سكان الصين يبلغ 1.4 مليار شخص، وهو أكبر عدد في العالم، يقول خبراء إنه من المتوقع انخفاض عدد مواليدها إلى مستويات قياسية هذا العام، ليتراجع إلى أقل من 10 ملايين من 10.6 ملايين طفل في العام الماضي، الذي كان منخفضاً أصلاً 11.5 بالمئة عن عام 2020.

وفرضت السلطات سياسة طفل واحد منذ عام 1980 إلى عام 2015، ثم تحوّلت فيما بعد إلى سياسة 3 أطفال، معترفة بأن الشعب على وشك الانكماش السكاني.

عقلية الحرب الباردة

وعلى الصعيد الدولي، قال شي إن «الصين تعارض بحزم جميع أشكال الهيمنة والسياسات القائمة على القوة، وتعارض عقلية الحرب الباردة، والتدخل في شؤون الدول الأخرى الداخلية، كما تعارض ازدواجية المعايير».

وشدد على أن بكين «لن تسعى إطلاقا إلى الهيمنة، ولن تنخرط في أنشطة توسعية»، إلا أنه أكد أن بلاده «لن تلتزم أبدا بالتخلي عن استخدام القوة» في تايوان.

وقال: «الصين دائماً تحترم وتهتم وتفيد شعب تايوان، وتلتزم بتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية عبر مضيق تايوان». وأضاف أن «حل قضية تايوان أمر يخص الشعب الصيني، وأمر يقرره الشعب الصيني، ونُصرُّ على الكفاح من أجل إعادة التوحيد السلمي بأكبر قدر من الإخلاص وأفضل الجهود، لكننا لن نعد أبداً بالتخلي عن استخدام القوة، ونحتفظ بخيار اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة».

كما ركّز شي أيضا على أكثر قضايا الأمن والسيادة حساسية، إذ أشار إلى هونغ كونغ، حيث تم سحق الاحتجاجات المؤيدة للديموقراطية. ورحّب بانتقال هونغ كونغ من «الفوضى إلى الحكم»، وردّ المندوبون الحاضرون بتصفيق حاد.

وبينما لم يتطرّق شي في خطابه إلى حرب أوكرانيا، قال الرئيس الصيني إن تعزيز العلاقات والتعاون مع كوريا الشمالية أصبح ذا أهمية أكثر من أي وقت مضي.

تايوان تردّ

وفي أول تعليق على تصريحات الرئيس الصيني، قال المكتب الرئاسي بتايوان، في بيان، إن الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي لن تتخلى عن سيادتها، أو تتنازل عن الحرية والديموقراطية، وإن شعبها يعارض بوضوح فكرة بكين عن إدارتها وفقا لمبدأ «بلد واحد ونظامين».

وقال البيان إن «اللقاء في ساحة المعركة ليس خيارا مطروحاً».