في استعارة الاستعارة... «الشهيد» مثلاً
![د. محمد بن عصّام السبيعي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1527781193350968600/1527781229000/1280x960.jpg)
تعريف الشهيد، شأنه ووصف حاله ورد بحسب ترتيب النزول متأخرا في سياق الحقبة المدنية، فهناك يشير القرآن في أكثر من موضع إلى الحياة الدائمة بعد الموت لأولئك الذين قتلوا في سبيل الله، بل يرد ذلك في سياق الإنكار على من يحسبهم أمواتا (البقرة 2/ 154 وآل عمران 3/ 169). ولقد جاءت تلك النصوص في سياق زخم القوة الذي اكتسبته الرسالة وأصبحت ندا وقوة فاعلة، قابضة على زمام أمرها بعد أن كانت منفعلة تحت وطأة اضطهاد النخبة المكية، فتلك النصوص تنصرف إلى معطيات منها نتائج معركة أحد التي منيت بها النواة المسلمة آنذاك بهزيمة مؤلمة وتكبدت عددا من القتلى.ورغم دقة الوصف فقد خلا القرآن من إطلاق مفهوم يختزل ذلك الوصف، فتعريف من يكون الشهيد مقرونا بمفهوم يختزل وصفه واستتباعاته على نحو محكم يأتي في سياق الحديث النبوي في الشهداء، أي فيمن يقتل في سبيل الإسلام وغيره من الشهداء. يأتي ذلك بحق معبرا عن مرحلة متقدمة من تراكم مخزون القوة بعد وضع أساس دولة الإسلام ومرغبا في الجهاد في سبيل هذا الشأن، واستعارة مفهوم شهيد لوصف هؤلاء يأتي متوائما مع صفتهم بالأحياء كما ورد في النص القرآني، فلا ريب أن من معاني الشهود هو الحضور الحي والمطرد والعابر لمراحل الزمن.ولا ريب إذن أن مفهوم الشهيد صناعة إسلامية بحتة وتمثل أحد عناصر الخطاب السياسي الإسلامي في تلك المرحلة المبكرة، كما ترد في سياق منسجم مع التطور النوعي الذي خبر بناء الدولة آنذاك، فإن أراد البعض استعارته، أو استعارة الاستعارة شأن مفاهيم أخرى، أي استخدامه في غير سياقه، فلا يمكن منع هذا البعض من ذلك، إلا أن ذلك يكون على سبيل المجاز ليس إلا!