يفتقد الإنسان المعاصر الى السعادة الحقيقية، ويتساءل الكثيرون من بني البشر عن إمكانية وطريقة العثور عليها في عالم مليء بالمشاكل ومشحون بالكوارث، فأين ما يلتفت المرء يجد شعباً يعاني أو أسرة تهاجر أو شخصاً يئن، وكل ما أراد أن يهرب من الواقع بمشاهدة التلفاز تارة أو بتفقد وسائل التواصل الاجتماعي طوراً آخر، تراه مغموراً بدفق من الأخبار السلبية وسيل من الأزمات المتنوعة، وكأن الانهيارات الاقتصادية، والفساد السياسي والإداري، والصراعات والحروب صارت من يوميات عالمنا، وكأن السعادة صارت عملة نادرة ومفقودة! والحقيقة أن لا هذا واقع يقتضي الاستلام له ولا ذاك ثابتة لا يمكن الانقلاب عليها! فالأيام دول وإن اشتدت الظروف والفجر آت وإن طال الظلام، والسعادة تشعّ في دواخلنا مهما غطّتها الصعاب وحجبها الواقع، ولا بد للسرور، إن منحناه الفرصة، أن تتجلى بوادره من بين كل ما يرهقنا من همّ ويتعبنا من غمّ.

التعريف الصحيح للسعادة هو الرضا الذاتي والراحة الداخلية، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه دون توطيد وتجديد العلاقة الإيمانية مع الخالق، والانفصال التام عن العالم المادي، فالقدر مكتوب لا مفرّ منه، والرضا مفتاح السعادة، وجوهر الإيمان قناعة راسخة بتنوع الأرزاق، فلو حصل فقير النفس على أموال الأرض وجميع نعمها، ما شعر إلا بالفقر والنقص الدائمين، ذلك أن الهوس في كسب الأكثر يُلهي عن الاستمتاع بالأجمل، وقد صدق قول النبي- صلى الله عليه وسلم- في ذلك أنه «من كانت الدُّنيا همَّه، فرَّق اللهُ عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينَيْه، ولم يأْتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه، جمع اللهُ له أمرَه، وجعل غناه في قلبِه، وأتته الدُّنيا وهي راغمةٌ».

Ad

من مقتضيات السعادة، الإيمان الجازم بأن كل ما قد يصيبنا من بلاء هو مجرد اختبار من الحكيم العليم الذي لفت أنظارنا في كتابه الكريم الى حقيقة ساطعة، لا يمكن ولا يجوز إنكارها، مفادها أنه «لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا»، فالصبر مفتاح الفرج، وهو مفتاح آخر للسعادة يضاف الى مفتاح الرضا.

من جانب آخر، فإن الإيمان والتشاؤم لا يجتمعان في نفس مؤمنة، فالقاعدة الراسخة هي أن «مع العسر يسرا» وأن الكرب سيليه فرج، والشح سيتبعه الريّ والنعم آتية وإن طال زمان غيبتها، والمؤمن الحقيقي هو من ينظر الى الخلفية المشرقة لغيم الهموم، وهو الذي يقتدي بنهج من علّمنا من أنبياء وأتقياء صبروا في الشدائد وصمدوا في المصاعب، فجزاهم الله سعادة وفرجا وحلّى في قلوبهم قوة الإيمان وحبّب اليهم تحمل الأذى برضا وطاعة لحكم الأقدار.

المؤمن وسطي في نهجه بلا إسراف يُفقر ولا إمساك يُقطِر، والسعادة بين هذا وذاك أن يكون المؤمن متوازناً في عقله مطمئناً في قلبه، وحاملاً ميزانا دقيقا لا يرجح كفّة الاستمتاع بنعم الدنيا على كفّة العمل للآخرة، فلا ينبغي للصبر والرضا أن يعميا المؤمن عن واجب الاستمتاع بما منّ الله عليه به من أرزاق وأولاد وعلم وجسد، فقد خوطب المؤمن بقوله تعالى: «وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا».

أن نفرح بما آتانا من رزق، فتلك السعادة الغامرة، وأن نفني أعمارنا بما يرضي خالقنا، فذلك هو الفوز، وأن نصبر على اختبارات البلاء فذلك هو الخيار السليم الذي لا جزاء له إلا الفرج والفرح، والسعادة هي الدرب السهل الممتنع، والرضا هو الحقيقة الناصعة المغطّاة بقشة تسمّى مصاعب الحياة وهمومها اليومية.

أحمد بلال الصنديد