نور من إيران
لا توجد شجاعة في هذا الزمن مثل شجاعة المرأة الإيرانية التي وقفت في طهران ومدن إيرانية تتحدى هيمنة النظام الديني وفرض وصايته على جسد المرأة، نساء عُزّل إلا من إيمانهن العفوي بالحرية يواجهن جيوش الحرس الثوري والشرطة الدينية بكامل أسلحتهم، حالة فريدة ليس لها نظير في العالم.مهسا أميني، الجميلة التي قُتلت في المعتقل بعد رفضها نزع حجابها أو لعدم تقيّدها برسمية لباس الدولة الديني، أضحت مثل بوعزيزي التونسي عام 2010، حين حرق جسده وأشعلت روحه نار الرفض ضد الأنظمة العربية.موت مهسا وانتفاضة المرأة الإيرانية نفضا الغبار عن ذاكرة أيام الثورة الطلابية وحركات الرفض الشبابية في منتصف ستينيات القرن الماضي، كان هناك صراع أجيال في ذلك الوقت، أطاح ببطل فرنسا الجنرال ديغول ودفع للأمام بقضية المساواة وحقوق الإنسان، ورفض حرب فيتنام في الولايات المتحدة.
نقلت صحيفة دير شبيغل الألمانية عن محلل سياسي رأى أن الحجاب مسألة أمنية في إيران، لا دينية، فالإسلام ليس حجاباً وشكلاً محدداً للباس، بقدر ما هو رفض للاستغلال كتحريم الفوائد الربوية على سبيل المثال، هذا يصح ليس في إيران فقط، بل في أي دولة تتذرّع فيها جماعات مسيسة بالثوابت الدينية والعادات والتقاليد كي توطد الجمود الاجتماعي والسياسي، وبالتالي استقرار مصالحها ومصالح الطبقة الحاكمة ومَن يدور في فلكهما، هنا يصبح الفكر الديني كما تريده السلطة أداة تدجين للشعوب مثلما هي سلطة المال السياسي حين تؤدي الدور ذاته في تغييب وتخدير الوعي بالحرية والتقدم الإنساني.لن تغيّر حركة تمرّد المرأة الإيرانية على الحجاب النظامَ في إيران، لكنّها بالتأكيد ستؤثر في نظرة النظام لمسألة اللباس المفروض، لكن هناك ما هو أبعد من ذلك، فقد أضاءت هذه الثورة الجميلة النور في عالم الظلام بشرقنا، وكم نتمنى أن يشعّ ضياؤها لكل هذه المنطقة التي مازالت تحيا بكهوف العصور الوسطي مع أهلها الغارقين بالبئر النفطية.