رغم إعلان الانفصاليين الموالين لروسيا أنهم يعملون على تحويل مدينة خيرسون الاستراتيجية في جنوب أوكرانيا، والتي ضمتها موسكو أخيراً، إلى «حصن»، وتأكيد موسكو أن قواتها أحبطت محاولة أوكرانية لاختراق خطوط دفاعها في خيرسون حيث تُجلي موسكو المدنيين تحسباً لهجوم مضاد، أكدت كييف «اختراقها للحصن» واستعادة 88 بلدة في خيرسون معلنة في الوقت نفسه عن مخاوف من فتح جبهة مع بيلاروسيا.وأفادت وزارة الدفاع الروسية، أمس، بأن «جميع الهجمات أُحبطت، وتم رد العدو إلى مواقعه الأصلية»، مضيفة أن أوكرانيا شنت هجومها صوب مستوطنات بياتيخاتكي وسوخانوف وسابلوكيفكا وبزفودن على الجانب الغربي من نهر دنيبرو.
وقالت الوزارة، إن القوات الروسية صدت أيضا هجمات في منطقتي لوغانسك ودونيتسك في الشرق.من ناحيته، اتهم نائب مسؤول خيرسون، الذي عيّنته روسيا كيريل ستريموسوف، القوات الأوكرانية بقتل 4 أشخاص بقصف جسر أنتونوفسكي على نهر دنيبرو، الذي يستخدم لعمليات الإجلاء، مضيفا أن «مدينة خيرسون، مثل حصن، تعد دفاعاتها».في المقابل، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن قواته استعادت حتى الآن 88 بلدة في خيرسون، مشيدا بـ «نتائج جيدة» يحققها جيش بلاده في مواجهة القوات الروسية في خيرسون، وهي أول عاصمة إقليمية احتلتها روسيا في مارس، بعد وقت قصير من بدء هجومها على أوكرانيا.وحضت القوات الموالية لروسيا المدنيين على الانتقال إلى الضفة اليسرى لنهر دنيبرو. وتخطط الإدارة الموالية لروسيا لإجلاء ما بين 50 و60 ألف شخص في غضون أيام قليلة.وكان سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أوليكسي دانيلوف، انتقد في وقت سابق «الإعداد للترحيل الجماعي للسكان الأوكرانيين إلى روسيا من أجل تغيير المكون السكاني للأراضي المحتلة».وبعد تراجعها في شمال شرقي أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة، اتهم زيلينسكي القوات الروسية بأنها «لغّمت السد ومنشآت محطة كاخوفكا للطاقة الكهرومائية»، وهي من أكبر مرافق البنى التحتية في أوكرانيا. وقال إن «روسيا تعد عمدا لكارثة واسعة النطاق، إذا انفجر السد، فإن أكثر من 80 بلدة، بما في ذلك خيرسون وقناة شمال القرم ستختفي، وستغمرها الفيضانات وسيكون ذلك كارثة واسعة النطاق».وتابع أن هذا «يمكن أن يدمر إمدادات المياه إلى قسم كبير من جنوب أوكرانيا»، ويؤثر في تبريد مفاعلات محطة زابوريجيا للطاقة النووية المعرضة للخطر نظرا لتعرضها للقصف. وبينما قال كيريل ستريموسوف المسؤول المعين من روسيا في الجزء المحتل من خيرسون، إن «مزاعم كييف عن أن روسيا بدأت في تلغيم سد نوفا كاخوفكا كاذبة»، طالب رئيس الوزراء الاوكراني دنيس شميهال بإرسال بعثة مراقبة دولية الى سد كاخوفكا.وأضاف شميهال، خلال اجتماع للحكومة: «ندعو الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي ومنظمات أخرى الى تنظيم بعثة مراقبة دولية الى كاخوفكا. يجب ان يصل خبراء دوليون فورا الى الموقع وكذلك طاقم أوكراني».وأكد أن احتمال انفجار السد التابع لمحطة كهرومائية لتوليد الكهرباء «قد يخلف آلاف الضحايا، ويتسبب في إغراق عشرات القرى»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «أكثر من مليون منزل من دون كهرباء في أوكرانيا إثر الضربات الروسية».كما حذر رئيس الوزراء من تنامي عدد اللاجئين من بلاده بسبب الغارات الجوية الروسية الأخيرة. وقال: «عندما لا يصير هناك في أوكرانيا كهرباء ولا تدفئة ولا مياه، فإن ذلك سيطلق تسونامي هجرة جديد».إلى ذلك، صرح أوليكسي غروموف المسؤول في هيئة الأركان العامة الأوكرانية للصحافيين بأن «تهديد القوات الروسية باستئناف الهجوم على الجبهة الشمالية في ازدياد وهذه المرة، قد يكون الهجوم غرب الحدود البيلاروسية لقطع طرق الإمداد الرئيسية للأسلحة والمعدات العسكرية الأجنبية» التي تصل بشكل خاص عبر بولندا.في هذا السياق، أكد زيلينسكي أمام المجلس الأوروبي، أن الاقتراح الأوكراني بنشر بعثة مراقبة دولية على الحدود بين أوكرانيا وبيلاروسيا «يزداد أهمية كل يوم»، في وقت أكد رئيس بيلاروسيا الكسندر لوكاشينكو المتحالف مع موسكو، أن بلاده «لا تحتاج الى الحرب»، وذلك بعدما شكلت مع روسيا قوة عسكرية مشتركة أثارت مخاوف من تدخل مباشر في النزاع الأوكراني.
«النسور الصارخة»
وفي إشارة إلى ارتفاع مستوى التوتر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي تقوده الولايات المتحدة، نشر الجيش الأميركي الفرقة 101 المحمولة جواً في أوروبا للمرة الأولى منذ نحو 80 عاما.وتم تدريب وحدة المشاة الخفيفة الملقبة بـ «النسور الصارخة» على الانتشار في أي ساحة معركة في العالم في غضون ساعات وهي جاهزة للقتال.وانضمت شبكة «سي بي إس نيوز» إلى نائب قائد الفرقة العميد جون لوباس، والعقيد إدوين ماثيديس، قائد فريق اللواء القتالي الثاني على متن طائرة مروحية من طراز «بلاك هوك»، التي طارت إلى أقصى حدود أراضي «الناتو» على بعد نحو 3 أميال فقط من حدود رومانيا مع أوكرانيا.وقال قائد الفرقة إنه إذا كان هناك تصعيد عسكري أو هجوم على «الناتو»، فهم مستعدون للقتال، كما أنهم على استعداد تام لعبور الحدود ودخول أراضي أوكرانيا. وحسب القناة، فإن الفرقة يبلغ قوامها 4700 ألف جندي، ويتمركزون في رومانيا.إبقاء قنوات التواصل
إلى ذلك، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن واشنطن تنوي الإبقاء على اتصالاتها مع موسكو، غير أن أي تواصل دبلوماسي على مستوى أعلى غير مطروح في الوقت الحاضر، إذ إن ذلك رهن بنية بوتين في «وقف عدوانه».وقال بلينكن، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرته الفرنسية كاترين كولونا: «لا نرى مؤشرا في هذا الاتجاه. بل على العكس، نرى روسيا تمضي أبعد وأبعد في عدوانها». وأضاف أن «بوتين ربما يكون معزولا في رؤيته الغريبة جدا للعالم والطريقة التي يمكن أن يدار بها، لكن تعزيز هذه العزلة لن يكون خيارا جيدا.»جاء ذلك، تعليقاً على ثاني اتصال بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره الروسي سيرغي شويغو منذ بدء الحرب في فبراير الماضي. وشدد أوستن خلال هذه المكالمة الهاتفية النادرة على «أهمية إبقاء قنوات التواصل».مسيرات إيران قد تنسف الاتفاق النووي وتغير المعادلة بسورية
لسنوات كان الجدل المتعلق بتزويد روسيا إيران بأنظمة دفاع جوي روسية متقدمة يحتل عناوين الصحف ووسائل الاعلام. ويشير جوناثان ماركوس من معهد الاستراتيجية والأمن في جامعة إكسيتر، إلى أن الأسلحة أصبحت الآن تسير في الاتجاه الآخر إلى حد كبير.ودفع المأزق الروسي في أوكرانيا موسكو إلى اللجوء إلى طهران للحصول على كميات من الأسلحة الدقيقة، حيث تتراجع بسرعة ترسانتها الخاصة من هذه الأسلحة.وفي عدد من الحالات استخدم الروس الصواريخ البحرية وصورايخ الدفاع الجوي في ضرب أهداف برية في أوكرانيا، بعيدا عن الأغراض المخصصة لها هذه الاسلحة اصلاً، وهناك مخاوف من أن الأسلحة الإيرانية الأكثر خطورة مثل الصواريخ البالستية قد تكون في طريقها إلى روسيا قريباً، وهي تحمل رؤوساً حربية أكبر بكثير من الطائرات المسيّرة، بالمقابل، قدرة أوكرانيا في مجال التصدي للصواريخ البالستية محدودة. قد يضيف هذا مستوى جديداً من التعقيد إلى الجهود الغربية لتعزيز الدفاعات الأوكرانية المضادة للطائرات والصواريخ.لكن ماذا عن التداعيات البعيدة لهذه العلاقة العميقة بين موسكو وطهران؟ قد تكون هناك تداعيات على مستقبل الاتفاق النووي شبه الميت بين المجتمع الدولي وطهران، بالإضافة إلى أنه يمكن أن يغير ميزان القوى الدقيق في سورية مع عواقب وخيمة على إسرائيل، وبالتالي على علاقتها مع موسكو.من الواضح أن كلاً من روسيا وإيران بحاجة إلى أصدقاء، فكلاهما معزول ومحاصر.والآن ينظر الغرب إلى عمليات نقل أسلحتها إلى روسيا على أنها انتهاك لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 الذي صدر في أعقاب الاتفاق النووي لعام 2015.قد يؤدي هذا إلى إعادة بعض العقوبات المتعلقة بالملف النووي الإيراني، ما يقوض جهود العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني)، في حيت تأجلت المفاوضات النووية إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة في 8 نوفمبر.إن العلاقة بين موسكو وطهران ظرفية ولا تربطهما أي أيديولوجيا، ولطالما اتسمت علاقة روسيا بإيران بقدر من التناقض. وخير مثال على ذلك اختلاف طموحاتهما في سورية.أنقذ التدخل العسكري الروسي نظام الرئيس بشار الأسد. وكذلك، كانت القوة البشرية والأسلحة والميليشيات الإيرانية ضرورية لبقائه.صحيح أن روسيا، التي لا تزال تحتفظ بوجودها العسكري في سورية، ليست متحمسة كثيراً لطموحات طهران الإقليمية هناك. إلا أنها لم تفعل ما يكفي لاحتواء النفوذ الإيراني بالطريقة التي كانت ترغب بها إسرائيل. كما لم تفعل أي شيء يذكر لوقف الضربات الجوية الإسرائيلية التي تهدف إلى تقليص نفوذ إيران في سوري.هل يمكن للديناميكية الجديدة في العلاقات الروسية الإيرانية أن يؤدي إلى تغير ذلك؟ صحيح أن روسيا سحبت بعض الدفاعات الجوية وقواتها من سورية، لكنها لاتزال قادرة على عرقلة العمليات الإسرائيلية.هذا الأمر هو أهم عامل في تحديد موقف إسرائيل من مسألة دعم أوكرانيا.ماذا عن المستقبل؟ لنفترض على سبيل المثال أن روسيا قررت تقديم أسلحة أكثر تطوراً إلى إيران مقابل مساعدتها، فماذا سيحدث؟ هل سيؤدي هذا إلى تحول في موقف إسرائيل من كييف؟ في الوقت الحالي، مع اقتراب موعد الانتخابات العامة الإسرائيلية، يبدو ذلك غير مرجح.لكن العلاقة الجديدة بين روسيا وإيران تحمل في طياتها إمكانية التأثير على الشؤون العالمية بما يتجاوز الحرب في أوكرانيا.