أكد خبراء نفطيون أن مجموعة «أوبك +» أسست على أسس اقتصادية، فهي مؤسسة اقتصادية بحتة، لافتين إلى أن تصريحات الولايات المتحدة بعقوبات ضد دول المجموعة هي بحد ذاتها عنوان يضر عالم الطاقة كله أكثر مما يضر «أوبك +». وقال الخبراء، في تحقيق أجرته «الجريدة» حول قرار المجموعة خفض إنتاج النفط مليوني برميل يومياً للحفاظ على أسعار عادلة وسط اضطرابات في الأسواق بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية وتداعياتها على الأسواق النفطية العالمية، إن حقيقة تهديدات الإدارة الأميركية وجديتها ليست بيدها بشكل كامل؛ لأن معظم شركاتها النفطية تعمل ضمن دول «أوبك +»، وحتماً ستتأثر بأي قرار سيتم اتخاذه بهذا الشأن.
وعن دول الاتحاد الأوروبي حالياً، ذكروا أنها في أسوأ حالاتها، وقراراتها متناقضة وغير مقنعة حتى لشعوبها التي أظهرت سخطاً شعبياً عليها، مشيرين إلى أن الاتحاد يناقش حالياً مشروع قانون الحد الأقصى للربح بشأن شركاته النفطية عبر فرض ضريبة تصل إلى أكثر من 50 في المئة لغير مستعملي الغاز والطاقات المتجددة الأخرى كالهواء وغيرها... وفيما يلي التفاصيل:قال الخبير والاستشاري النفطي د. عبد السميع بهبهاني، إنه لفهم الموضوع بدقة أكثر حول قرار «تحالف أوبك» لخفض الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل يومياً على مقياس إنتاجه لشهر أغسطس 2022، الذي أنتج خلاله حوالي 43.86 مليون برميل يومياً، وهذا أقل بـ 1.8 مليون من السقف المحدد لإنتاجها، حسب قرارات الرفع السابقة، فإن هذا يعني أن حقيقة الخفض لم تكن مليوني برميل لأنها كانت مخفضة أصلاً، فالخفض الحالي يبلغ أقل من 300 ألف برميل يومياً. وأضاف بهبهاني أن هذا يعكس قدرة «تحالف أوبك» لثلاث سنين قادمة، فهذه الضجة حول خفض يبلغ نحو 300 ألف فقط، وإذا اعتبرنا أن ليبيا مستثناة لتذبذب إنتاجها، واعتبرنا الضغوطات على بعض الدول كالمقاطعة لإيران، وروسيا، وفنزويلا فعّالة، فإن إنتاج «أوبك +» أقل من هذا السقف بكثير.وتابع بهبهاني أن منظمة أوبك تأسست على أسس اقتصادية فهي مؤسسة اقتصادية بحتة، وعندما تصرح الولايات المتحدة بعقوبات فهي تعني اقتصادية أيضا، وهذا في حد ذاته عنوان يضر عالم الطاقة كله أكثر مما يضر «أوبك +»، وحقيقة تهديد الإدارة الاميركية الذي أشك في جديته ليس بيدها بشكل كامل، لأن شركاتها النفطية متأثرة ومشمولة في أي قرار سيُتخَذ.وأشار بهبهاني إلى أن «تحالف أوبك» في تشكيلته الحالية يتضمن دولاً غير متجانسة سياسياً مع الولايات المتحدة، ولذلك فإن التداخلات التي تحدث بهذا التحالف في هذه الظروف قد تسبب ردات فعل غير حميدة لتجانس المنظمة، ومن جانب آخر قد تؤثر هذه التهديدات على الشركات الأميركية ذاتها المنتشرة في دول «تحالف أوبك» بقوة. ولفت إلى أن أي قرار يتخذ قد يؤثر على مشاريع هذه الشركات في تلك الدول، من ثم لا أرى جدية في هذه التهديدات، لاسيما أن الولايات المتحدة خلال الأشهر الثلاثة الماضية نعمت بنشاط بترولي ملحوظ من مخزونات عالية في الخام والبنزين وحركة المصافي وهو ما ساعد على هبوط سعر غالون البنزين إلى ما دون الثلاثة دولارات بعد أن جاوز الأربعة، لتستفيد شركاتها المحرومة من محفزات الإدارة من الأسعار لتزيد إنتاجها الى 12 مليون برميل يوميا، وعليه فإن استفادة الشركات الاميركية هي الأكبر من أزمة أوروبا التي بلغت وارداتها من الطاقة 44 في المئة من الولايات المتحدة.
عواقب وخيمة
ولفت إلى أن العواقب المتوقعة من الإدارة الأميركية هي مشاريع مكررة منذ اكثر من عشرين سنة، ومنها تطبيق قانون الاحتكار «نوبك» او ما يسمى بقانون «لا لعصبة (كارتيل) إنتاج وتصدير النفط» (NOPEC)، المطبق على الشركات الاميركية، برفع السيادة وتطبيقه على الدول المنتجة للنفط، مبينا أنه قانون لا يزال متعثراً في اللجان المنبثقة من الكونغرس الأميركي.وذكر أن هناك قوانين أخرى اتخذت، ولكن ليست بالفعالية التي يمكن أن يعول عليها كقوانين البيئة لوكالة الطاقة الاوروبية، وتصفير الإنتاج النفطي وهي قوانين خفضت الاستثمار في الاستكشاف والتطوير بما يفوق 60 في المئة وهو ما سوف تظهر عواقبه على دول العالم والاتحاد الأوروبي خصوصاً خلال السنتين القادمتين. وأضاف: من العواقب أيضا قوانين فرضت من خلال مؤتمر غلاسكو الأخير 2022 بفرض ضرائب، وغرامات، وجزاءات على نسب الانبعاثات الكربونية على مستخدمي الطاقة غير المتجددة والغاز، لافتا الى انها مشاريع سببت لغطا أثناء المؤتمر وأبرزت الخلاف حول ادوات قياس علاقة الكربون ودرجات الحرارة، وحصص الكربون بين الدول، كما ان هناك عواقب مباشرة بيد إدارة الولايات المتحدة مثل منع بيع الأسلحة الاميركية لدول «أوبك».قرارات متناقضة
وعن دول الاتحاد الأوروبي حاليا، اعتبر بهبهاني أنها في أسوأ حالاتها وقراراتها متناقضة وغير مقنعة حتى لشعوبها التي أظهرت سخطا شعبيا عليها، لافتا الى ان الاتحاد الأوروبي يناقش حاليا مشروع قانون الحد الأقصى للربح على شركاته النفطية بفرض ضريبة تصل إلى أكثر من 50 في المئة لغير مستعملي الغاز والطاقات المتجددة الأخرى كالهواء وغيرها، وهذه ستطبق على مصافي دول الاتحاد النفطية التي تنتج المشتقات النفطية فقد وصلت صافي أرباحها إلى 60 دولارا من قيمة البرميل لأسباب غير منطقية.وأوضح أن الحكومات الاوروبية فرضت مسبقا نسب ضرائب عالية لـ 70 في المئة على مستهلكي ومستوردي النفط، لافتا إلى ان القوانين عموما غير منطقية وخلقت حالة من الفوضى وأسساً غير منطقية لا تشجع على مخاطرة الاستثمار في الطاقة الاحفورية.وأكد أن مؤشرات التضخم التي بلغت عالميا 10 في المئة، وفي أوروبا أكثر من 13 في المئة تشير الى ركود قادم في أوروبا بالذات سيكون مؤثرا بشكل قاس على دولها. وتابع: في نفس الوقت سيصب هذا الركود الذي ستعاني منه أوروبا في مصلحة الصين والولايات المتحدة لأن التوقعات المنطقية للصين تشير إلى أن فتح المدن والموانئ الصينية بكاملها بات قريباً من إنهاء مشروع تصفير وباء كورونا وفتح المدن والموانئ وسوف تتجه لأقصى حالات النمو الاقتصادي والطلب على الوقود، مشيرا الى أنه جغرافياً سوف يكون هذا اتجاه «تحالف أوبك» في تصدير طاقته، أما أوروبا فهي تعول على ما تصدره الولايات المتحدة، والتي تملك طاقة محدودة في عمليات التصدير إليها. وأوضح أن الولايات المتحدة بحد ذاتها سوف تكون في حالة من التنافس مع الصين في زيادة نموها الاقتصادي، وبوادر هذا السباق برز وخصوصاً من معدلات التوظيف التي قاربت الـ 3 في المئة، معربا عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة غير جادة بردات فعلها للقرارات التي تصدر من «تحالف أوبك» طالما أنها تصب في مصلحتها العامة!مخاوف متزايدة
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد، أمين سر الجمعية الاقتصادية الخليجية، د. عبدالمحسن المطيري، إن الورقة التي بيد الرئيس الأميركي للتأثير على «أوبك» هي زيادة ضخ كميات من مخزون النفط الاستراتيجي، ومن الممكن أن تكون مؤثرة، خصوصًا في ظل المخاوف المتزايدة من حدوث ركود اقتصادي، لذلك في اعتقادي أن تخفيض «أوبك بلس» للإنتاج في وقت يعاني العالم ارتفاع التضخم لمستويات قياسية، سيؤدي الى زيادة احتمال حدوث ركود اقتصادي، خصوصًا في الدول المستهلكة للنفط، مما يعني انخفاضا حادا في الطلب عليه، لاسيما أن العالم لم يتعافَ بشكل كامل من آثار الجائحة، خاصة في الصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مستورد للنفط، لافتا الى أن العالم يعاني أيضا أزمات مختلفة في الوقت نفسه بدءا من التضخم والحرب الروسية - الأوكرانية ونقص إمدادات الغذاء والمشاكل في سلاسل الإمداد، وكل هذه الأزمات تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد، حيث خفض صندوق الدولي توقعاته للنمو الاقتصاد العالمي لأكثر من مرة، خصوصًا في عام ٢٠٢٣.وأضاف انه يجب أن نستفيد من التجارب السابقة عندما حدث تباطؤ اقتصادي، وكيف أثر ذلك على الطلب النفط، ومن ثم على أسعار النفط، فمثلًا خلال الأزمة المالية 2008، انخفضت الأسعار إلى 35 دولارا للبرميل من 145 دولارا في 5 أشهر فقط. وفي الفترة من 2014/ 2015، ومع تباطؤ النمو الاقتصادي، انخفض النفط بأكثر من 50 بالمئة في 9 أشهر، إلى 45 دولارا للبرميل.وعندما ضرب وباء كوفيد - 19، انهار الطلب على النفط، حتى وصلت الأسعار في فترة وجيزة الى 18 دولارا، وفي حالة نادرة وصل الى ما دون الصفر، حيث اضطر المنتجون إلى الدفع للمشترين لأخذ النفط الذي لم يكن لديهم مجال لتخزينه.استعداد الكويت
ولفت الى أنه يجب على الكويت التحوط والاستعداد للركود الاقتصادي المحتمل عن طريق ترشيد الميزانية وتخفيض بند المصروفات، والاستخدام الحصيف للفوائض الناتجة عن أسعار النفط المرتفعة ووضعها في صندوق الاحتياطي العام لتغطية أي عجوزات مستقبلية ناتجة عن الركود الاقتصادي، خصوصا أن خيار الاستدانة تكلفته عالية في ظل معدلات الفائدة المرتفعة.آلية العرض
حول رغبة أوروربا في تحديد سعر للنفط، أكد العامري أن الإطار الفني يفضي للفهم أن النفط تتحدد أسعاره ضمن آلية العرض والطلب، وان المنتجين يريدون أسعارا عادلة، وتحقيق أرباح دون أن تؤدي لركود اقتصادي على المدى المتوسط، لتجنب اضطراب في أسعار النفط وانخفاضها لاحقا، مشيرا في هذا الصدد إلى ضرورة ان يعمل الأوروربيون على عقد اتفاقات طويلة المدى مع المنتجين، لتجنب أي اضطرابات في سوق النفط العالمي، والاستثمار في بدائل للنفط الخام.وأشار إلى أن استمرار الحرب الروسية- الأوكرانية، وفي ظل التوقعات شبه المؤكدة سنرى ركودا اقتصاديا عالميا قادما، عطفا على معدلات التضخم وما تبعها من رفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية، والركود المتوقع معناه انخفاض أسعار النفط تحت سقف الستين دولارا، وربما تصل إلى حدود الأربعين، لافتا إلى أن ذلك سيضر اقتصاد دول «أوبك بلس» مع استمرار الاضطرابات في السوق النفطية، وإذا خففت الدول الأوروبية العقوبات على صادرات النفط الروسي، وإلغاء الحظر المقترح على السفن، وكذلك تشديد الإغلاق مجددا في الصين، فسيؤدي ذلك إلى تراجع مع زيادة المخاوف في الأسواق الناجمة عن الركود الاقتصادي الواسع التي ستؤدي إلى غياب الاستقرار عن السوق الطلب وانخفاض في الأسعار.
تداعيات اقتصادية
بدوره، قال الخبير النفطي الإماراتي، د. علي العامري، إن خفض إنتاج «أوبك بلس» مليونَي برميل يوميا سبّب حالة من الهلع والغضب في أوساط النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة الأميركية لاعتقادهم أنه سيسبب تداعيات سياسية واقتصادية سلبية على الولايات المتحدة وحلفائها والدول المستهلكة للنفط، وقد رأينا العكس واستقرار الأسعار واحتمال نزول الأسعار. وأضاف أن قرار «أوبك» كان اقتصاديا بامتياز، وكانت الدول المنتجة تدافع عن اقتصاداتها ودخلها القومي، وخاصة أن بعض هذه الدول يعتبر النفط المصدر الوحيد لدخلها. مع العلم بأن السعودية والإمارات والكويت والعراق ستتحمل الجز الأكبر من الخفض.ولفت الى أنه على الرغم من أن وزارتَي الخارجية والطاقة الأميركيتين أجرتا اتصالات مكثفة مع الأعضاء في منظمة أوبك لحثّهم على التصويت ضد خفض إنتاج النفط، لافتا الى أن القرار جاء مخالفا لما أراده الرئيس الأميركي جو بايدن، وأحرج إدارته قبل موعد إجراء انتخابات التجديد النصفي لـ «الكونغرس»، مشيرا الى أن القرار قد يتسبب في ارتفاع أسعار البنزين والغاز، وإذا حدث وارتفعت الأسعار في أميركا، فإن ذلك سيكون بمنزلة نكسة سياسية على إدارة الرئيس بايدن، موضحا ان الرد الأميركي على القرار جاء في بيان صيغ بلهجة غاضبة على لسان مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، ومدير المجلس الاقتصادي بالبيت الأبيض، براين ديس. وعبّر البيان عن خيبة أمل الرئيس بايدن من القرار، واصفا إياه بأنه «قصير النظر»، خصوصا أن الاقتصاد العالمي يعاني في هذه الاثناء تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.تسييس القرار
وأعرب العامري عن اعتقاده بأن الإدارة الأميركية تحاول تسييس قرار اقتصادي لن تنجح في تغييره.وقال إن الرئيس الأميركي لجأ الي الاحتياطي الاستراتيجي، وأمر وزارة الطاقة بالإفراج عن 10 ملايين برميل من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي الأميركي في الأسواق، مع دخول خفض الإنتاج حيز التنفيذ أول نوفمبر، والاستمرار في اللجوء الى احتياطي البترول الاستراتيجي كلما اقتضت الحاجة.تحدٍّ صارخ
من ناحيته، قال الخبير النفطي أحمد كرم أصبح قرار «أوبك بلس» الأخير بتخفيض مليوني برميل من الإنتاج الكلي لأعضائها بمثابة تحد صارخ للدول الصناعية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحده الأميركية. ووصف تداعيات هذا القرار بأنها تعد كبيرة، وأدت إلى توترات سياسية بين أوبك «وأميركا»، الأمر الذي جعل بايدن يدلي بتصريحات عشوائية، وربما أخذ القرارات التي لاجدوى لها، مشيرا إلى أن تهديداته بعدم التعامل مع «أوبك ما هو إلا تهديد كلامي فقط، فالواقع يعكس هذا بتاتا»، منوها إلى أن عدم «تعامل أميركا مع»أوبك«لا يعني شيئا، لكون أميركا أغلب نفطها يأتي من كندا وفنزويلا وقليلا منه من بعض أعضاء أوبك».وأعرب كرم عن اعتقاده أن قرار «أوبك» الأخير ستكون له تأثيرات كبيرة على أسعار النفط مع دخولنا شهر نوفمير القادم.واشار إلى أن ليس أميركا من ستتأثر بهذا القرار فقط، بل إن الأثر سيمتد إلى الاتحاد الأوروبي الذي بدأ يطالب بتحديد أسعار النفط، متناسين أنها سلعة تخضع لعوامل العرض والطلب، ضاربين بذلك عرض الحائط من أجل مصالحهم الخاصة بهذا الشأن، مؤكدا أن تحديد أسعار النفط هو شبه مستحيل لصعوبة تطبيقه، ولكثرة المستفيدين من ورائه، منوها إلى أن النفط سلعة تخضع لأبسط القوانين الاقتصادية.وأوضح أن أحد أسباب اتخاذ «أوبك» لهذا القرار الأخير هو انخفاض الطلب على النفط، نظراً لركود اقتصادي عالمي متوقع، أحد أسبابه الحرب ما بين روسيا وأوكرانيا.