كان يتابع "عنكبوتاً" يقيم بيته فوق أعواد القصب على سقف الغرفة الطينية من الأسفل، وبين فترة وأخرى كان يحاول رفع يده المنهكة الضعيفة ليمسح دمعة تتسرب من زاوية عينه الملتصقة بأريكة بالية أصبحت بلا لون مع الزمن ومن كثرة...
كما في بدايات كل صيف من كل عام بدأ تراجع رعاة الأغنام البيضاء "الدِّبشْ" نحو الغرب هروباً من حر الصحراء وسمومها، وابتعاداً عن شح المياه وتيبٌّس الكلأ، فبادية الشام هي بساتين الربيع والكورة وجبال عجلون وهضاب جلعاد...
كان ذلك اليوم حزيناً وكئيباً ومكفهراً ،مثل هذا اليوم، وكان نعش الحاج أمين الحسيني ،أسأل الله له الرحمة الواسعة، ممدداً في شارع قريب من مستشفى البربير في بيروت الغربية ومحاطاً بعدد قليل جداً من جنود جيش التحرير...
كان قطيع الأغنام يستمتع بشمس ذلك اليوم الربيعي الدافئ وكان هو ينهمك في مطاردة بعض البقوليات والجذوريات والعشبيات مثل :"التُّويس" و"كريشة الجدي" و"البُريْدْ" و"الدريهْمهْ" و"المرَّار".. كان بين فينة وأخرى يرسل عينيه نحو...
غادر مدينة "قصر شبيب" ،التي كان دَخَلها من طرفها الشمالي قبل بزوغ شمس ذلك اليوم.. كان التعب يهده هداً وكان يشعر بوخزة في صدره، ،كطعنة الخنجر، كلما تذكر كومة الأطفال الذين ينتظرونه في البيت والذين لا يحمل لهم في "خُرج" فرسه...
كثيرون أكدوا أنهم شاهدوا هذا بأم أعينهم وبعضهم أضاف إلى الرواية المتداولة ما جعلها أكثر أسطورية وتشويقاً وجميع هؤلاء واجهوا الموت "الأحمر" ،في تلك البقعة المعروفة بأنها "أم الشَّعاري" ولم يتجنبوه إلا بتلاوة "آية الكرسي"...
بارودته كانت "يونانية..أم طلق" ،كانت ذخيرتها بعض القلل الحديدية الصغيرة أو الكبيرة ،وفقاً للهدف وحجم الطريدة، ثم قطعة من القماش تدفع بسيخ بحجم ماسورتها، يتم الإحتفاظ به في العادة في ثقب في صدرها من الأسفل، ثم نصف عِرامٍ...
ذَكَرَ أكثر من واحد أنه "صادفه" أكثر من مرة على أكثر من تقاطع طرق وقال أحد الذين شاركوا في "تعليلة" تلك الليلة ،بعد أن ذبَّ ذبةً طويلة من سيجارة "هيشي" يجرح دخانها الزور، :"أنا لا أخافه ولم ترتعش شعرة في جسدي عندما قابلته...
كانت الفترة في بداية ربيع سنة معطاءة... عاد راعي الأغنام سعيداً ومرتاح البال مع ساعات المساء المتأخرة، ولدى ولوجه بوابة الدار المتسعة إلى "الحوش" الكبير وراء آخر شاة في قطيع كله من الأغنام السوداء امتلأت رئتاه برائحة...
ذلك الصباح الباكر، من بداية فصل الربيع، كانت برودته لاذعة تشرخ العظم، أدخل يده اليمنى في جيب ثوبه، الذي بعد أن كان أبيض أصبح أحوى، انحنى حتى كادت لحيته الذرياء تلامس ركبته. حاول أن يصل بأصابع يده، التي تنتهي بأظفار طويلة...